للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ الْوَاحِدَ الَّذِي يُثْبِتُهُ هَؤُلَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ.

وَلِهَذَا لَمَّا بَنَى (١) الْفَلَاسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ عَلَى قَوْلِهِمْ بِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ، كَانَ مِنْ أَوَّلِ مَا يُبَيِّنُ فَسَادَ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْوَاحِدَ الَّذِي ادَّعَوْا فِيهِ مَا ادَّعَوْا لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، بَلْ يَمْتَنِعُ (٢) وُجُودُهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ فِي الْأَذْهَانِ كَمَا يُقَدَّرُ سَائِرُ الْمُمْتَنِعَاتِ.

وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ لَمَّا أَثْبَتُوا وَاحِدًا لَا يَتَّصِفُ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّفَاتِ، كَانُوا عِنْدَ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ، إِنَّمَا تَوْحِيدُهُمْ تَعْطِيلٌ مُسْتَلْزِمٌ لِنَفْيِ الْخَالِقِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ أَثْبَتُوهُ فَهُمْ مُتَنَاقِضُونَ، جَمَعُوا بَيْنَ مَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيُهُ وَمَا يَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتُهُ.

وَلِهَذَا وَصَفَهُمْ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ بِالتَّعْطِيلِ، وَأَنَّهُمْ دَلَّاسُونَ وَلَا يُثْبِتُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْبُدُونَ شَيْئًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، مِثْلَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمَاجِشُونِ (٣) وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ (٤) وَحَمَّادِ


(١) أ: بَيَّنَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(٢) أ: وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ.
(٣) عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَاجِشُونُ. فَقِيهٌ وَمِنْ أَئِمَّةِ الْمُحَدِّثِينَ، تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ ١٦٤. تَرْجَمْتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ٦/٣٤٣ - ٣٤٤ ; تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ ١ - ٢٠٧ ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ ١/٢٥٩ ; تَارِيخِ بَغْدَادَ ١٠/٤٣٦ - ٤٣٩ ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ ٥/٤١٤ ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ ٤/١٤٥ - ١٤٦.
(٤) أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ وَاضِحٍ الْمَرْوَزِيُّ بْنُ حَنْظَلَةَ، الْحَافِظُ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وُلِدَ سَنَةَ ١١٨ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ١٨١ وَقِيلَ سَنَةَ ١٨٢. تَرْجَمْتُهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ ١/٢٥٣ - ٢٥٧ ; تَارِيخِ بَغْدَادَ ١٠/١٥٢ - ١٦٩ ; وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ ٢/٢٣٧ - ٢٣٩ ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ ٧/٣٧٢ ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ ٤/٢٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>