للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا قَالَ فِرْعَوْنُ: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [سُورَةُ طه: ٤٩ - ٥٠] ، فَكَانَ جَوَابُ مُوسَى لَهُ جَوَابًا لِلْمُتَجَاهِلِ الَّذِي يُظْهِرُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُ، فَإِنَّ سُؤَالَ فِرْعَوْنَ بِقَوْلِهِ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ لِوُجُودِهِ، لَيْسَ هُوَ اسْتِفْهَامَ طَلَبٍ لِتَعْرِيفِ مَاهِيَّتِهِ كَمَا ظَنَّ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَالُوا: إِنَّ فِرْعَوْنَ طَالَبَهُ بِبَيَانِ الْمَاهِيَّةِ، فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ لِامْتِنَاعِ الْجَوَابِ بِذِكْرِهَا، فَإِنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِالصَّانِعِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ كَانَ جَاحِدًا لَهُ، وَكَانَ اسْتِفْهَامُهُ اسْتِفْهَامَ إِنْكَارٍ لِوُجُودِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [سُورَةُ الْقَصَصِ: ٣٨] ، وَقَالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [سُورَةُ النَّازِعَاتِ: ٢٤] ، وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا بِوُجُودِهِ طَالِبًا لِمَعْرِفَةِ مَاهِيَّتِهِ لَمْ يَقِلْ هَذَا، وَلَكَانَ مُوسَى مَا أَجَابَهُ إِجَابَةً لَمْ تُذْكَرْ فِيهَا مَاهِيَّتُهُ (١) .

مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ هِيَ مَا يَقُولُهُ الْمَنْطِقِيُّونَ مِنْ ذِكْرِ الذَّاتِيِّ الْمُشْتَرَكِ وَالذَّاتِيِّ الْمُمَيَّزِ، وَهُمَا الْجِنْسُ وَالْفَصْلُ، كَلَامٌ بَاطِلٌ قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبُيِّنَ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمُغَايِرَةَ لِلْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ إِنَّمَا هِيَ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الذِّهْنِ، فَإِنَّ مَا فِي الْأَذْهَانِ مِنَ الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الْمَوْجُودَاتِ الْخَارِجِيَّةِ.

وَأَمَّا دَعْوَى أَهْلِ الْمَنْطِقِ الْيُونَانِيِّ أَنَّ فِي الْخَارِجِ مَاهِيَّةً وَوُجُودًا غَيْرَ


(١) فِي الْأَصْلِ (ع) : لَمْ يَقِلْ هَذَا وَ، وَبَعْدَ حَرْفِ الْوَاوِ إِشَارَةٌ إِلَى الْهَامِشِ حَيْثُ كُتِبَ: لَكَانَ مُوسَى، وَبَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ: لَمَّا أَجَابَهُ بِمَا أَجَابَهُ لَمْ تُذْكَرْ مَاهِيَّتُهُ، وَتُوجَدُ فِي الْهَامِشِ أَمَامَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ كَلِمَةٌ أُخْرَى هِيَ " لَقَالَ ". وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَا أَثْبَتُّهُ مُوفِّيًا بِالْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>