للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَةُ بَعْضِ ذَلِكَ، فَزُرَارَةُ بْنُ أَعْيَنَ وَأَمْثَالُهُ يَقُولُونَ: يَجُوزُ الْبَدَاءُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يَحْكُمُ بِالشَّيْءِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ فَيَنْتَقِضُ حُكْمُهُ لِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ خَطَئِهِ. فَإِذَا قَالَ مِثْلُ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَئِمَّةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ عَاقِبَةُ فِعْلِهِمْ، فَقَدْ نَزَّهُوا الْبَشَرَ عَنِ الْخَطَأِ مَعَ تَجْوِيزِهِمُ الْخَطَأَ عَلَى اللَّهِ، وَكَذَلِكَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَزَارَةُ بْنُ أَعْيَنَ وَأَمْثَالُهُمَا مِمَّنْ يَقُولُ إِنَّهُ يَعْلَمُ مَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ النَّقَائِصِ فِي حَقِّ الرَّبِّ، فَإِذَا قَالُوا مَعَ ذَلِكَ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَئِمَّةَ لَا يَبْدُو لَهُمْ خِلَافُ مَا رَأَوْا فَقَدْ جَعَلُوهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَهُ فِي مِثْلِ هَذَا، وَقَالُوا: بِجَوَازِ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ.

وَأَمَّا مَا تَقُولُهُ: غُلَاتُهُمْ مِنْ إِلَاهِيَّةِ عَلِيٍّ، أَوْ نُبُوَّتِهِ، وَغَلَطِ جِبْرِيلَ بِالرِّسَالَةِ فَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ هُنَا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الشِّرْكَ وَالْغُلُوَّ يُخْرِجُ أَصْحَابَهُ إِلَى أَنْ يَجْعَلُوا الْبَشَرَ مِثْلَ الْإِلَهِ، بَلْ أَفْضَلَ مِنَ الْإِلَهِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ قَالَ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: ١٣٦] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: ١٠٨] .

فَهَؤُلَاءِ لَمَّا سُبَّتْ آلِهَتُهُمْ سَبُّوا اللَّهَ مُقَابَلَةً، فَجَعَلُوهُمْ مُمَاثِلِينَ لِلَّهِ وَأَعْظَمَ فِي قُلُوبِهِمْ، كَمَا تَجِدُ كَثِيرًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُحِبُّ مَا اتَّخَذَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا أَكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّ اللَّهَ تَعَالَى، وَتَجِدُ أَحَدَهُمْ يَحْلِفُ بِاللَّهِ وَيَكْذِبُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>