للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ، حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَفِيفِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ وَفْدٌ مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ أَحْيَانَا اللَّهُ بِبَيْتَيْنِ مِنْ شِعْرِ امْرِئِ الْقَيْسِ.

قَالَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالُوا: أَقْبَلْنَا نُرِيدُكَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أَخْطَأْنَا الطَّرِيقَ فَمَكَثْنَا ثَلَاثًا لَا نَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، فَتَفَرَّقْنَا إِلَى أُصُولِ طَلْحٍ وَسَمُرٍ لِيَمُوتَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَبَيْنَا نَحْنُ بِآخِرِ رَمَقٍ إِذَا رَاكِبٌ يُوضِعُ عَلَى بَعِيرٍ، فَلَمَّا رَآهُ بَعْضُنَا قَالَ وَالرَّاكِبُ يَسْمَعُ: وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ الشَّرِيعَةَ هَمُّهَا * وَأَنَّ الْبَيَاضَ مِنْ فَرَائِصِهَا دامى (١) تيممت الْعين الَّتِى عِنْد ضارج * يفئ عَلَيْهَا الظِّلُّ عَرْمَضُهَا طَامِي (٢) فَقَالَ الرَّاكِبُ: وَمَنْ يَقُولُ هَذَا الشِّعْرَ؟ وَقَدْ رَأَى مَا بِنَا مِنَ الْجَهْدِ قَالَ: قُلْنَا: امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ حُجْرٍ.

قَالَ وَاللَّهِ مَا كَذَبَ، هَذَا ضَارِجٌ عِنْدَكُمْ.

فَنَظَرْنَا فَاذَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَاءِ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ ذِرَاعًا، فَحَبَوْنَا إِلَيْهِ عَلَى الرُّكَبِ، فَاذَا هُوَ كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ عَلَيْهِ العرمض يفئ عَلَيْهِ الظِّلُّ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذَاكَ رَجُلٌ مَذْكُورٌ فِي الدُّنْيَا مَنْسِيٌّ فِي الْآخِرَةِ، شَرِيفٌ فِي الدُّنْيَا خَامِلٌ فِي الْآخِرَةِ، بِيَدِهِ لِوَاءُ الشُّعَرَاءِ يَقُودُهُمْ إِلَى النَّارِ " (٣) .

وَذَكَرَ الْكَلْبِيُّ: أَنَّ امْرَأَ الْقَيْسِ أَقْبَلَ بِرَايَاتِهِ يُرِيدُ قِتَالَ بَنِي أَسَدٍ حِينَ قَتَلُوا أَبَاهُ، فَمَرَّ بِتَبَالَةَ وَبِهَا ذُو الْخَلَصَةِ، وَهُوَ صنم، وَكَانَت الْعَرَب تستقسم عِنْده، فاستقسم


(١) الشَّرِيعَة: مشرعة المَاء.
والفرائص: جمع فريصة.
وهما فريصتان ترتعدان عِنْد الْخَوْف.
(٢) ضارج: مَوضِع بِبِلَاد عبس.
والعرمض: الطحلب.
يُرِيد أَن الْحمر لما أَرَادَت شَرِيعَة المَاء خَافت على أَنْفسهَا من الرُّمَاة وَأَن تدمى فرائصها من سِهَامهمْ عدلت إِلَى ضارج لعدم الرُّمَاة على الْعين الَّتِى فِيهِ، انْظُر اللِّسَان ٣ / ١٣٩ (٣) وَردت هَذِه الْقِصَّة فِي الشّعْر وَالشعرَاء ١ / ٥٨، ٥٩، ٧٤، ٧٥.
وهى كَذَلِك فِي اللِّسَان وعيون الاخبار ١ / ١٤٣، ١٤٤، والاغانى ٧ / ١٢٣ (*)

<<  <  ج: ص:  >  >>