للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقيقة - التي يعرفها المنوفي بأنها "مشاهدة الربوبية" (١) ، وهي في الحقيقة الوصول إلى أعماق الوثنية والحلول، فإذا وصل بزعمهم إلى مقام الحقيقة يمكنه أن يظل يرتقي إلى أن يحقق منازل ثلاثاً هي: "الفناء"، و "اللقاء"، و "البقاء"، والفناء يقصدون به أن يفنى العبد عن كل شيء في الله تعالى، ويصير كما قال الحلاج: ما في الجبة إلا الله.

فالوجود عنده كله يمثل الله - تعالى عن قولهم، وخصوصاً النساء فإنه يتمثل فيهم بصورة أكمل، ومن هنا بدى على أدبهم العشق والغرام والهياج الجنسي إلا أنهم زعموا أن هذا الغزل وهذا الهياج الملتهب إنما هو في الله، وسموه الحب الإلهي يجتمع الرجال والنساء ويرددون إما أبياتاً شعرية أو غيرها في رقص وتمايل، كما يحصل في الرقصات والسهرات مما يتنافى مع أبسط المثل الإسلامية والخشوع المطلوب في العبادات.

وأما اللقاء والبقاء (٢) فإن الصوفية يقصدون بذلك أن العبد من خلال تلك المنازل تتجلى عظمة الخالق سبحانه على قلب السالك فلا يرى أمامه إلا الله، ولا يجد في الوجود جميعاً إلا واجب الوجود سبحانه، وتمحى أثار الموجودات من أمام عينيه إلا وجود الله سبحانه وتعالى، قال المنوفي:

"سئل أبو يعقوب النهرجوري عن صحة الفناء والبقاء فقال: الفناء هو رؤية قيام العبد بالله عز وجل، والبقاء رؤية قيام الله تعالى منفرداً بذاته" (٣) .

وهذه الدرجات هي ما عبر عنه الحلاج بقوله: "ما في الجبة إلا الله".


(١) جمهرة الأولياء ١/ ٣٠٢.
(٢) عرفه المنوفي بأنه "قيام الأوصاف المحمودة بالله" جمهرة الأولياء ١/ ٣٠١.
(٣) المصدر السابق ص٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>