للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

: [[الشريط العاشر]] :

الأسئلة:

س١/ ما حكم تعليق المشيئة على أمر متأكِدٍ أنه واقع كقوله هذا فلان الواقف أمامك إن شاء الله، كذلك حكم تعليقها على أمر قد حصل وانتهى؛ كقوله أكلتم إن شاء الله؟

ج/ المشيئة في استعمال المسلم على درجتين:

الدرجة الأولى: أنه يُقْصَدُ بها حقيقة التعليق؛ يعني أنَّ ما سيفعله مُعَلَّق بمشيئة الله كما قال - عز وجل - {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:٢٩] ، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان:٣٠] ، وقال {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:٢٣-٢٤] ، فإذا كان الأمر يُعَلَقُ على المستقبل فإنه يتأكد استعمال المشيئة، يعني أن يُعَلَّق الأمر على مشيئة الله؛ لأنَّ ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

الدرجة الثانية: أن تكون (إن شاء الله) لتأكيد تحقق الأمر بمشيئة الله؛ لأنَّ الأمر وقع ووقوعه ليس بمشيئتي ولكن بمشيئة الله، فلا بأس أن يُؤَكَدَ أي أمر وقع بكلمة (إن شاء الله) ويقصد بها أنه تحقق ووقع بمشيئة الله - عز وجل -، وعلى هذا جاء في القرآن قول الله - عز وجل - {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف:٩٩] ، بعد أن دخلوا، وكقوله - عز وجل - {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} [الفتح:٢٧] .

بالمناسبة بتعليق المشيئة: الكلمة المعروفة التي تروى عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لما حض الناس على جهاد التتر، فقال (إنكم منصورون) فقال له أحد القضاة (قل إن شاء الله) قال (إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا) ، يعني أنتم منصورون والنصر بمشيئة الله يتحقق، وهذا لأجل أن الله - عز وجل - وعد عباده ووعده حق أن ينصرهم {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:٥٩] ، وقال - عز وجل - {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة:٢١] ، وقال {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ} [الصافات:١٧١-١٧٣] ، ونحو ذلك من الأدلة.

س٢/ ما حكم الاحتجاج بالقدر على فعل المكروهات وترك المستحبات، مثل أن يترك الإنسان النوافل بعد الصلاة، فإذا حاجه أحد قال: هذا بقضاء الله وقدره؟

ج/ القدر لا يجوز الاحتجاج به على المعايب، فإذا كان ثَمَّ فِعْلْ للإنسان فيه عيب من ترك فريضة أو فعل محرم، أو من ترك نافلة أو فعل مكروه، فإنه لا يجوز أن يحتج على ذلك بالقدر.

وإنما يجوز الاحتجاج بالقدر على المصايب؛ إذا أصيب الإنسان بمصيبة عَلَّقَ ذلك بقدر الله - عز وجل -؛ لأنه في تعليقه للقدر تطمئن النفس ويكمل الإيمان والهدى {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:١١] ، ما شاء الله كان، قدر الله وما شاء فعل، هذا في المصائب.

أما في المعايب فإنَّ هذا من وسائل الشيطان؛ لأنَّ الاحتجاج بالقدر على المعايب ليس فيه في الحقيقة حجة، بل حجة على صاحبه الذي احتج به؛ لأنَّ الإنسان مُخَيَرْ هل يعمل هذا أو يعمل الأمر الثاني؟ فكونه اختار أحد الأمرين بإرادته التي توجهت إلى أحد الأمرين، وبقدرته التي توجهت إلى أحد الأمرين، فإن احتجاجه بالقدر حينئذ احتجاج للخروج من التَبِعَة؛ لأنه كان عنده إرادة، ولو صح الاحتجاج بالقدر في المعايب ما بقي معنى للتكليف ولا للحساب؛ لأنّ هذا هو معنى قول الجبرية.

س٣/ ما الفرق بين معجزات الأنبياء القرآن وهل معجزات الأنبياء معجزة بنفسها كالقرآن أم لا؟

ج/ معجزات الأنبياء ومنها معجزات المصطفي صلى الله عليه وسلم، ذكرنا أنها آيات وبراهين ودلائل، فلفظ المعجزة لفظ حادث، ولهذا تارة يقع الإشكال في توجيه بعض الأمور؛ لأنه يُنْتَقَل من استعمال العلماء لها في أحد معانيها أو في كثير من معانيها إلى أن تُجعل حقيقة شرعية عامة، وهذا يُنتبه له، فإنَّ كلام العلماء تقرير للحقائق فإذا كان الاستعمال الاصطلاحي لهم في الألفاظ لم يأت في القرآن ولا في السنة فينبغي أن يُجْعَلَ بِقَدَرِه، وألا يُزاد على ما استعملوه فيه، ولهذا لفظ المعجزة -كما ذكرنا لكم- لم يأت في القرآن ولا في السنة، وإنما فُهِمَ ذلك فهما وهذا الفهم صحيح إذا قُدِّرَ بَقَدَرِهِ الشرعي ولم يُنتقل عنه إلى ما لم يأت به دليل.

<<  <   >  >>