للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنّ الله - عز وجل - له حدود كما جاء في حديث النعمان بن بشير «الْحَلاَلَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ» (١) يعني في نفسها، مُشْتَبِهَات على من يريدها أو على من ينظر فيها، وفي رواية أخرى في البخاري «وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشَبَّهَاتٌ» (٢) يعني الله - عز وجل - جَعَلَهَا كذلك ليختبر العباد، مثل ما جعل بعض الكلام محكماً وبعض كلامه متشابهاً.

قال صلى الله عليه وسلم في المتشابهات «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اِسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» يعني طَلَبَ البراءة وهذا هو الواجب؛ لأنه ما كل أحد يأتي للمتشابه يقول لا سَأَعْرِفُهُ.

الذي يشتبه عليك اتركه أسلم لدينك، وخاصَّةً في مسائل الجماعة، في مسائل الاعتقاد، في مسائل الاختلاف لأنك لا تدري ما يؤول إليه الأمر.

تَعْرِفْ أنَّ الخوارج صار معهم بعض من وُلِدَ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكنه لم يكن منهم لكنهم شَبَّهُوا عليه كمحمد بن أبي بكر الصديق ولدته أمه أسماء بنت عميس في الحج -يعني في حجة الوداع- نفست فولدت بمحمد بن أبي بكر.

يعني وُلِدَ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وحَصَلَ أنه أتى لعثمان لقوة الاشتباه، أتى لعثمان بعد أن تسلق عليه البيت وهو يتلو القرآن فشده من لحيته، وقال له -يعني وعظه عثمان- فبكى محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فبكى وترك ذلك وتركهم ثُمَّ قُتِلَ عثمان، وضلَّ من قال أنَّ الذي قتله أو ساعد في قتله أنه محمد بن أبي بكر. (٣)

المقصود أنَّ المسائل المشتبهة قد تشتبه على الخيار، فطالب العلم الذي يرغب في سلامة دينه يعتمد ما كانت عليه الجماعة ولا يخالف ما كانت عليه جماعة المسلمين.

وهذا من أعظم فوائد طلب العلم، أنّ المرء يعلم ما به السلامة له في دينه، ويكون مع الفرقة الناجية يوم القيامة، «كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال «هي الجماعة» .

وهذا مما يُرَغِّبْ كل واحد منكم في طلب علم العقيدة لأنَّ معه سلامة القلب ومعه سلامة العمل ومعه سلامة الخروج بيقين عن الفرق الضالة والالتزام بطريق الجماعة.

فهذه الكلمة كلمة عظيمة (وَلَا نُخَالِفُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ.) يعني في اعتقادهم ولا في أقوالهم، وكذلك لا نترك جماعة المسلمين في أبدانهم لأنَّ هذا من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة الذين تابعوا الكتاب والسنة ولم يخرجوا عن ذلك أعان الله الجميع على كل خير.

نكتفي بهذا القدر، ونقف عند قوله (ولا نُكَفِّرُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ بِذَنْبٍ، مَا لَمْ يَسْتَحِلَّهُ) .

نأخذ بعض الأسئلة.


(١) البخاري (٥٢) / مسلم (٤١٧٨)
(٢) البخاري (٥٢)
(٣) لمعرفة المزيد مما صح في هذه الفتنة راجع الشريط (٤٠٤) من سلسلة الهدى والنور.

<<  <   >  >>