للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثالثة] :

الجماعة تُطْلَقُ إطلاقين:

& تُطْلَقْ الجماعة ويراد بها الجماعة في الدين، الجماعة في العلم بما أمر الله - عز وجل - به أن يُعْتَقَدْ، أو في تصديق الأخبار في الكتاب والسنة.

وهذه الجماعة تكون في الدين، الجماعة في الدين؛ يعني الاجتماع على الدين الواحد.

& والمعنى الثاني للجماعة الجماعة في الأبدان، أنْ يجتمعوا في أبدانهم وأنْ لا يكون بأْسُهُم بينهم، وأن لا يتفرَّقُوا في أبدانهم بأنواع التَّفَرُّقْ.

ومسائل الاعتقاد تجمع هذين الأصلين، تجمع الاجتماع في الدين والاجتماع في الأبدان، وكل المسائل التي تُذكَرُ في مسائل العقيدة منها ما يرجع إلى هذا، ومنها ما يرجع إلى الثاني.

ثُم هذا اللفظ (السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ) صار عَلَماً على من كان على ما كانت عليه الجماعة الأولى وهم الصحابة رضوان الله عليهم.

والذي عليه أئمة أهل الحديث والمحققون من أهل الإسلام أنَّ هذا اللفظ (أهل السنة والجماعة) إنما يدخل فيه أهل الحديث والأثر الذين لم ينحرفوا في مسائل الاعتقاد.

وقد ذهب بعض الحنابلة من المتأخرين وبعض الأشاعرة وجماعات من الفقهاء إلى أنَّ لفظ (أهل السنة والجماعة) يشمل ثلاث طوائف:

- يشمل أهل الحديث والأثر.

- والأشاعرة.

- والماتريدية.

وممن صرَّحَ بذلك السَّفَّاريني في كتابه لوامع الأنوار وجماعة آخرون.

وهذا ليس بصحيح؛ لأنَّ الأشاعرة والماتريدية خالفوا السنة والجماعة في مسائل كثيرة معلومة:

@ فهم في إثبات وجود الله - عز وجل - خالفوا طريقة القرآن والسنة.

@ وفي تفسير (لا إله إلا الله) خالفوا ما دلَّ عليه القرآن والسنة وكان عليه السلف.

@ وفي إثبات الصفات خالفوا وقالوا طريقة السلف أسلم وطريقتنا أعلم وأحكم وجعَلُوا الصواب بين التأويل والتفويض:

وكل نص أوهم التشبيهَ أوِّلْهُ أو فَوِّضْ ورُمْ تنزيهَا

فالتأويل عندهم حق والتفويض حق وأما الإثبات فليس بحق.

@ وفي مسائل الإيمان خالفوا، وقالوا بالإرجاء وعندهم الإيمان هو التصديق فقط دون الإقرار والعمل، @ وفي مسائل القدر هم جبرية متوسطة.

وفي مسائل أُخَرْ خالفوا أيضا مما يضيق المقام عن ذكره.

فإذاً من خالف في هذه الأصول العظيمة في الغيبيات والعقائد فإنَّ إدراجه في أهل السنة والجماعة وفي الفرقة الناجية هذا ليس بواضحٍ من جهة الدّليل والإتباع، ولهذا هم يدخلون في الفِرَقْ المخالفة للسنة والجماعة.

لكن ينبغي أن يُعْلَمْ أنَّ إطلاق السنة قد يُرَادْ به ما يقابل الرافضة والشيعة والخوارج، فيدخل في إطلاق أهل السنة الأشعرية والماتريدية والمرجئة وجماعات لأجل مقابلتهم بالفرق التي ضلالها عظيم.

لهذا من الأفضل؛ بل من المُتَعَيِّنْ عند إطلاق أهل السنة والجماعة أن يُنتَبَهْ أن لا يكون شعاراً يدخل فيه من ليس من أهل السنة والجماعة حتى لا يَضِلَّ الناس، وحتى يكونُ مُقتصراً على من اعتقد الاعتقاد الحق، والباقون يمكن أن يُقَال عنهم أهل السنة؛ ولكن لا يُوصفون بأهل السنة والجماعة؛ لأنهم فَرَّقُوا دينهم وكانوا شيعاً ولم يقيموا الدين كما أمر الله - عز وجل -؛ بل فَرَّقُوا في ذلك وأخذوا ببعض الكتاب وتركوا بعضًاً كما هو معلوم من تفاصيل أقوالهم.

<<  <   >  >>