للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثالثة] :

الإيمان بالكَتَبَة يقتضي الإيمان بأنَّهُمْ يَكْتُبُون؛ لأنَّ أصل المسألة الإيمان بالملائكة الكَتَبَة، ويقتضي ذلك الإيمان بأنهم يكتبونَ في صحف، وقد جاءت الأدلة في السنة أنَّ منهم من يكتب الحسنات ومنهم من يكتب السيئات.

وربما تنازعوا في كتابة بعض الأشياء فيحكم الله - عز وجل - بينهم.

والكتابة هذه في صحف الملائكة هذه هي التي تُجْمَعْ على العبد، وهي كتَابُهُ الذي يُجْمَعُ معه في عنقه إذا أُدْخِلَ القبر، وهو الذي جاء فيه قول الله - عز وجل - {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:١٤] ، وهي الصُّحُفْ التي يُحَاسِبُ الله - عز وجل - العبد بها فَيُقَرِّرُه على ما فيها من أعمال، وفيه أنَّهُ يَسْأَلُهُم ربنا - عز وجل - هل ظَلَمَكُم ملائكتي؟ فيقولون: لا يا رب، يعني بعد أن يُحَاسِبَهُم الرب - جل جلاله -.

وإذا كان كذلك فإنَّ مقتضى الإيمان بالكتابة وأنَّ الإنسان على ما في قلبه يُكْتَبُ له أو عليه، وحركة لسانه يُكْتَبُ له أو عليه، وحركة جوارحه يُكْتَبُ له أو عليه، فإنَّ عِظَمْ الإيمان بهذا الأصل يطلب العبد إلى أَنْ يَجعَلَ صحائفه ليس فيها إلا الخير، وإذا عمل شيئاً من السوء فليُعظْمِ ْالحسنات الماحية وليُعظْمِ الاستغفار الذي يمحو الله - عز وجل - به السيئات.

ولهذا صار من نتائج الاعتقاد الصحيح أنَّ العبد يكون أذل ما يكون لله - عز وجل -، فأصحاب العقيدة الحَقَّة يَذِلُّونَ لله - عز وجل - حتى ولو عَصَوا أو صار عندهم ما صار فإنهم أكثَرُ ذُلَّاً لله - عز وجل -؛ لأنَّ عندهم من الإيمان بالغيبيات واليوم الآخر وبالكتابة وبمعرفة الله - عز وجل - والعلم به وصفاته وما هو عليه - جل جلاله - من نعوت الجلال والكمال ما يوجب عليهم قسراً أن لا يكون في قلوبهم إعراض أو كِبْرْ أو طاعة للشيطان في البعد عن ربهم - جل جلاله -.

ولهذا الوصية للجميع أنّهم إذا عَلَّمُوا العقيدة فإنهم يُعَلِّمُونَهَا لأنَّ صلاح القلب به تَصْلُحْ الأعمال، وهذا واقع.

وأما أهل الكلام وأهل البدع فإنهم يُعَلِّمُونَ مسائل الاعتقاد كمسائل عقلية، مسائل عقلية ينظرون إليها نظراً عقلياً برهانياً، عقلياً أو نقلياً دون نظر في آثار ذلك، ولهذا تجد فيهم من قسوة القلوب ومن قلة العبادة، وترك التواضع، والكِبِرْ إلى آخره من الصفات المذمومة ما فيهم.

بخلاف أهل الحق من أهل السنة والحديث والعبادة، فإنهم ألْيَنْ قُلُوباً لأجل ما معهم من العلم بالله - عز وجل -، وأكثر تواضعاً للخلق، ونفع للعباد وخوف من الله - عز وجل -، لأجل صحة العقيدة أثمرت في قلوبهم وفي أعمالهم.

زادني الله - عز وجل - وإياكم من الهدى وغَفَرَ لنا ما كان منا من نقصٍ أو ضعف أو ذنب أو خطيئة إنّه سبحانه غفور رحيم.

<<  <   >  >>