للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ج/ أنا لا أعلم، لكن أحياناً تُستعمل، المقصود بها زائدة على الذات، يعني للذهاب عن قول من يقول الوجه هو الذات، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:٢٧] يعني وتبقى ذات ربك، فقد يكون مراده أنه زائدة يعني عن الذات، ليست هي الذات، صفة زائدة، توجد ذات ويوجد وجه للرب ?، لكنها ليست من العبارات المستعملة عند السلف.

س٤/ لما مُيِّزت نصوص الوعيد بميزة أنها تُمَرُّ كما جاءت؟ وهل تُلْحَقْ بها نصوص الرحمة في هذا الوصف؟

ج/ الوعيد الذي هو توعُّدٌ من الله ? للكافر أو للفاسق بالعذاب هذا حق، والله ? خبره صدق، لكن وعيده ? مع كونه حقاً وصِدْقَاً كما أخبر ? فإنه في حق المسلم الموحّد على رجاء الغُفْرانْ، وعلى رجاء العفو.

ولذلك لا يُطَبَّقُ الوعيد في حق المعين؛ بل نقول: هذا الوعيد يُمَرُّ كما جاء ولا ندخل في تفصيلاته من حيث إنَّ هذا الوعيد لمن فعل كذا بالنار في تفصيلات هذا الوعيد، أو في تفصيلات المعيَّنْ الذي ارتكب شيئاً مما ينطبق عليه هذا الوعيد، الأصل أن نُمِرَّ ذلك كما جاء ونُبقيهِ وعيداً للتخويف والجزاء عند رب العالمين.

ولهذا يقول العلماء: إخلاف الوعيد فضل وكرم، وأما إخلاف الوعد فكذب.

ولهذا الله جل وعلا لا يُخلف وعده، {لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الروم:٦] وَعْد الله مفعول لا بدّ منه، ما وعد به عباده فلا بدّ منه.

أما وعيده سبحانه وتعالى، فإنه قد يَتَخَلَّفْ في حَقِّ المعين بفضل منه وكرم. وكما جاء في الحديث الذي في الصحيحين: أنه يوم القيامة يكون آخر من يُخرَجْ من النار أقوام «يُخْرَجُونَ من النار وقد امتحشوا، فيلقون في نهر يقال له نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحِبة أو الحبة في جانب الشيء» (١) ، هذا بفضله ? فَيَخْرُجُ من النار أقوام لم يعملوا خيراً قط، ويغفر الله ? لمن يشاء سبحانه وتعالى.

فإذاً الوعيد يبقى كما هو بدون تفصيل يُمَرْ كما جاء من جهة معناه ومن جهة من يتعلق به.

ثُمَّ وعيد الله ? بالعذاب في الدنيا أو العقوبة في الدنيا، هذا متعلق بحكمته سبحانه وتعالى، وحكمة الله ? غالبة، لهذا يُثبَتُ الوعيد في حقّ الكافر من جهة الجنس لا من جهة المُعَيَّنْ حتى يموت على الكفر، فإذا مات على الكفر فإنّه يُقال فيه ما أوْعَدَهُ الله ?، لأنه قد جاء في الحديث الصحيح «حيث ما مررت بقبر كافر فبشّره بالنّار» (٢) ، وهو في بعض السنن بإسنادٍ جيّد.

وهناك قسم ثاني من الوعيد وهو وعيد الحكم وليس وعيد العذاب وهو مثل: «من أتى كاهنا لم تُقبل له صلاة» (٣) ، «من أتى كاهنا فصدقه فقد كفر بما أُنزل على محمّد» (٤) ، «من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أُنزل على محمّد» (٥) ، «لا يدخل الجنة قاطع رحم» ، «لا يدخل الجنة قتّات» (٦) ، ونحو ذلك، هذا وعيدٌ في الاسم، في الحكم وليس وعيداً في نوع العذاب وأشباه ذلك.

وهذا الوعيد هو الذي يكثر كلام السلف فيه، بأنه يُمَرُّ كما جاء، لماذا؟

لأنَّ الدخول في نوعية حُكْمِهِ، يعني هل هو كافر كفر أكبر أو أصغر؟ هل هو لا يدخل الجنة؟ يعني نقول له لأنَّ الغرض من الوعيد هو التخويف من هذه الأفعال حتى يرتدع العباد، فإذا دخل الناس في تفصيلاتها ولم يُمِرُّوهَا كما جاءت كأنه يضعف جانب الوعيد فيها.

لكن لها تفصيل، مع كونه يُمَرْ كما جاء فإنَّهُ له تفصيل بحسب ما عند أهل العلم من الأدلة.

فمثلاً نقول في «لا يدخل الجنة قتّات» نُفَرِّقْ بين الدخول الأول والدخول المتأخِّر، مثلاً «من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر» نقول مثلاً هذا كفر أصغر وليس بكفر أكبر، وأشباه ذلك من الأدلة التي فيها الوعيد بالحكم.

وهذا يحتاج إلى أدلة أخرى لبيان معنى هذا الحديث أو معنى هذه الآية، وإلا فالأصل أن يُمَرْ؛ بمعنى لا يدخل العالم أو طالب العلم في تفصيله أو في تفسيره لأن الغرض منه التخويف.

لهذا مثلاً في حديث: «من أتى كاهنا فصدقه فقد كفر بما أُنزل على محمّد» ، سُئِلَ عنه الإمام أحمد هل هو كفر أكبر أو أصغر فتوقف عن ذلك وقال -كما هي الرواية الثالثة أو القول الثالث- توقف وقال أقول كُفْر وبَسْ؛ يعني وسكت. وهذا لأجل أنَّ النَّصَ أَطْلَقْ والمقصود منه التخويف.


(١) سبق ذكره (٤٣٦)
(٢) سبق ذكره (١٠٥)
(٣) مصنف عبد الرزاق (٢٠٣٤٩)
(٤) المسند (٩٥٣٢) / مسند الطيالسي (٣٨٢) / مسند البزار (١٨٧٣)
(٥) أبو داود (٣٩٠٤)
(٦) سبق ذكره مع ما قبله (٣٥١)

<<  <   >  >>