للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

& الدليل الثالث: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمَرَ الصحابة أن يأتوا بكتابْ ليَكْتُبَ لهم، فقال «يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر» (١) ثم إنه لما دَعَا بذلك الكتاب قال «إيتوني بكتابٍ أعهد إليكم عهداً لا تختلفوا بعده» قال عمر رضي الله عنه (عندنا كتاب ربنا وما أظنُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا غلب عليه الوَجَعْ) (٢) .

وهذا اجتهادٌ من عمر رضي الله عنه حمَلَهُ عليه أنَّهُ ظَنَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سيذكر غير أمر الخلافة، غير أمر الوِلاية؛ لأنَّ أمر الولاية الدليل عليه قام بأدلة كثيرة أخرى فلا تحتاج إلى عهدٍ مكتوبٍ خاص يعهد إليهم به، فخَشِيَ أن يقول شيئاً آخر ويكون ذلك فتنةً للناس لأنَّهُ صلى الله عليه وسلم في تلك الحال بشر، والناس قد لا يدركون كل شيء.

ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم أراد الكتابة بالعهد لأبي بكر، وعمر رضي الله عنه مَنَعَ أو رَأَى -كما قال بعض أهل العلم- أنه لا يُجْلَبْ الكتاب لأنَّهُ إن كان تنصيصاً بالولاية فهذا مدلولٌ عليه بغيره.

وقال بعض العلماء: ولا يُحْمَلُ قول عمر رضي الله عنه على أنَّهُ ظَنَّ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سيكتب شيئاً آخر، ولكن نَظَرَ في أنَّ الأمر لم يكن على الإيجاب وإنما كان على باب الشفقة والرحمة لهم، وباب الشفقة الرحمة لهم قال هؤلاء لا تلزم فيه الاستجابة وخاصَّةً في مثل مرضه صلى الله عليه وسلم.

* والأول هو الأظهر في تحليل قول عمر رضي الله عنه.

& الدليل الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» .

& الدليل الخامس: أنَّ امرأةً أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة لها فوعدها موعدةً أخرى، فقالت كأنها تُشِيْرْ: إن لم أجدك -يعني بالموت- قال «إن لم تجديني فأتي أبا بكر» (٣) .

والأدلة على هذا كثيرة متنوعة في أنَّ أبا بكر رضي الله عنه كان منصوصاً على استحقاقه للخلافة بعدة أدلة يُؤْخَذُ منها أنَّهُ نصٌ جلي لا يحتمل التأويل.

أما القول الثاني وهو من قال أنها ثبتت بالإشارة، فهذا فيه نظر؛ لأنَّ الإشارة هي الشيءٍ الخفي، وهذه الأدلة ظاهرة في الدلالة.

وأما من قال بالاختيار فلاشك أنَّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه اختاره المسلمون؛ بل أَجْمَعَ عليه السلمون، وقد نقل الحاكم في المستدرك وصححه أنَّ علي بن أبا طالب ذكر إجماع المسلمين على خلافة وولاية أبا بكر (٤) ، ونُقِلَ ذلك أيضاً عن طلحة بن عبيد الله وعن الشافعي وعن جماعة حَكَوا الإجماع على اختيار المسلمين لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.

وثُبُوتُهَا بالاختيار هذا لاشك فيه لكنه ليس ثبوتاً مستقلاً بل هو تبعٌ لتنصيص النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر في بيان فضله ومنزلته وأنَّهُ هو الأحق بالتقدم في أمر الدين وفي الإمامة العظمى.


(١) مسلم (٦٣٣٢)
(٢) البخاري (١١٤) / مسلم (٤٣٢٢)
(٣) البخاري (٧٣٦٠) / الترمذي (٣٦٧٦)
(٤) المستدرك (٤٤٢٦)

<<  <   >  >>