للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثالثة] :

خلافة أبو بكر الصديق طَعَنَ فيها الرّافضة، فلم يقتصروا على ذلك بل طعنوا في أبي بكر الصديق.

وطعنهم في الخلافة يريدون منها أنَّ أبا بكر وعمر اغتصبا الخلافة واغتصبا الولاية، وكان الأحق بها علي رضي الله عنه.

ويستدلون لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍ في حديث غدير قم المعروف أنه صلى الله عليه وسلم قال لِعَلِي «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنَّهُ لا نبي بعدي» (١) ومنزلة هارون من موسى أنَّهُ قال له {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف:١٤٢] ، وهذا الحديث وقد رواه مسلم في الصحيح -حديث غدير قم المعروف- حديثٌ صحيح.

و «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» لا تدُلُّ على استحقاقه للخلافة مُطْلَقَاً، وإنّما على استحقاقه للولاية في تلك السَّفرة التي سافرها النبي صلى الله عليه وسلم، فهو لمَّا ذهب فإنَّ علياً صار منه بتلك المثابة وطَمَّنَّ خاطره وشرح صدره بهذه المنزلة إذ لم يرافقه صلى الله عليه وسلم، وهذا شيءٌ مؤقت لا يدل على التقديم في كل حال [.....]

لمَّا حَجَّ أبو بكر بالناس عام تسعٍ من الهجرة كان هو أمير الحج، وعلي رضي الله عنه كان معه ليقرأ على الناس أول سورة براءة، {بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ} [براءة:١-٢] الآيات.

وسبب إرسال علي رضي الله عنه مع أبي بكر أنَّهُ كان من عادة العرب أنها لا تقبل الأمر الجلل إلا من الرجل نفسه أو من ذي قرابَةٍ منه يقول بقوله، فَرِغِبَ صلى الله عليه وسلم في أن لا يحدث اختلاف في هذا الأمر وأن يُعْلِنْ البراءة من المشركين في أن لا يحج بعد العام مشرك، أن يُعْلِنَهَا أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو علي ين أبي طالب ابن عمه وزوج بنته رضي الله عنه.

وهذا يدل على أنَّهُ كان مع أبي بكر تابعاً، وكان أبو بكر رضي الله عنه هو الأمير.

وما ذكروه من قوله «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» إنما هذا في شيءٍ مؤقت لا يدل على منزلةٍ عامة.

ولهذا علي رضي الله عنه كان في الستة نفر الذين عهد إليهم عمر رضي الله عنه باختيار الخليفة، فكان من اختيارهم أن يختاروا عثمان رضي الله عنه خليفةً للمسلمين، ولهم في ذلك -يعني للرافضة في ذلك - أقوال في القدح من أبي بكر وفي القدح من عمر وعثمان معروفة عاملهم الله بما يستحقون.

[المسالة الرابعة] :

قال (تَفْضِيلًا لَهُ وَتَقْدِيمًا عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ) وهذا هو الذي ذكرت لك في أول الكلام من أنَّ تقديم أبي بكر لأجل تَفْضِيلِهِ، فهو الأفضل وهو المُقَدَّم، كذلك عمر هو الأفضل وهو المُقَدَّم، كذلك عثمان هو الأفضل وهو المُقَدَّم، ثم علي هو الأفضل وهو المُقَدَّم، رضي الله عنهم أجمعين.

فإثبات الخلافة فيها إثبات الفضيلة، وأيضاً المسألة تنعكس، إثبات فضل أبي بكر على جميع الأمة فيه إثبات الخلافة له رضي الله عنه وتقديم أبي بكر على جميع الأمة في الفضل هو تقديمٌ لأبي بكر على جميع الأمة في استحقاقه في الولاية والخلافة.


(١) البخاري (٣٧٠٦) / مسلم (٦٣٧٠)

<<  <   >  >>