للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة السابعة] :

أشراط الساعة ربما حَلاَ لبعض الناس أنْ يُنَزِّلَهَا على الواقع الذي يعيش فيه، دون تحقيقٍ في انطباقها على ما ذكر.

ولهذا ألَّفَ مَنْ أَلَّفْ من المعاصرين في أنَّ هذه العلامة أو هذا الشرط هو كذا بعينه.

وهذا مما لا يتجاسر العلماء عليه بل يتحرون فيه أَتَمْ التَّحَرِّيْ فإنَّ تطبيق الواقع على أنَّهُ هو ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم هذا يحتاج إلى علم لأنَّهُ إخبارٌ بما تؤول إليه أحاديثه صلى الله عليه وسلم وهذا يحتاج إلى علم، والله - عز وجل - يقول: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} [الأعراف:٥٣] ، يعني ما تؤول إليه حقائق أخباره، وهذا ربما لم يظهر لكل أحد، -يعني الآية في يوم القيامة لكن انتظار التأويل يعني ما تؤول إليه حقائق الأخبار-.

بعضها ظاهر مثل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، انشقاق القمر، موت النبي صلى الله عليه وسلم، الموتان يعني الطاعون الذي حصل، طاعون عمواس في سنة ١٨ من الهجرة ونحو ذلك، مثل النار التي خرجت من المدينة.

لكن في بعضها يكون ثَمَّ اشتباه، هل هو منطبق أو ليس بمنطبق، هل هو تمت، يعني هل الصفات منطبقة أو ليست كذلك.

ولهذا كما ذكرت لك في أول الكلام أنَّ أشراط الساعة إيرادُهَا من الشارع إنما هو لأمرين:

١ - لأجل الإيمان بها.

٢ - ثُمَّ لتكون دِلَالَةْ من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

فوجود الأحاديث أو ذِكْرِ الشيء من أشراط الساعة لا يقتضي مدحاً ولا ذمَّاً ولا نستفيد منه حكماً شرعياً.

مثلاً حديث: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد» (١) ، وكما في حديث عمر المشهور في قصة جبريل، قال: أخبرني عن السَّاعة، قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» ، قال: فأخبرني عن أشراطها، قال: «أنْ تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان» (٢) .

منهم من طَبَّقْ (أنْ تلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا) على عصرٍ من العصور أو على وضعٍ من الأوضاع.

ومنهم من طَبَّقَ (الحفاة العراة العالة رعاء الشاء) على وقتٍ من الأوقات.

ومثل ما جاء من نُطْقْ الحديد، مثل (وأَنْ تُحَدِّثَ المرأة عَذَبَةُ سوطه) (٣) .

ومثل الحديث الذي في السنن: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد» ، هل هذا يقتضي ذمّ هذا الفعل أو لا يقتضي ذمَّاً ولا مدحَاً؟ يعني هل يُحكم عليه بالكراهة لأجل هذا الحديث؟

المعتمد عند أهل العلم أنَّ مثل هذه الأحاديث لم تَرِدْ للأحكام الشرعية وإنما وردت للإخْبَارِ بها لتكون دليلاً على نبوته صلى الله عليه وسلم ولابتلاء الناس بالإيمان بخبره صلى الله عليه وسلم حتى يظهر المُسَلِّمْ له صلى الله عليه وسلم من غير المُسَلِّمْ.

لهذا احذر من التطبيق، وخاصَّةً في ما يشتبه.

قد مَرَّتْ أَزَمَاتْ ومَرَّتْ فِتَنْ ومَرَّتْ أشياء، من الناس من طَبَّقْ فأخطأ في ذلك، وهو ربما بَنَى على تطبيقه أشياء من التصرفات أو الآراء أو الأحوال فأخطأ في ذلك خطأً بليغاً، وظَهَرَ بيان خطئه.

لهذا ما المقصود من إيراد أهل السنة والجماعة الإيمان بأشراط الساعة؟ وذكر أشراط الساعة وتقسيمات ذلك؟

ليس المقصود منه التطبيق، وإنما المقصود منه ما ذكرت لك من الأمرين العظيمين:

١ - الأمر الأول: دلالة من دلالات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم كي يدخل ذكر أشراط الساعة في دلائل النبوة.

٢ - الأمر الثاني: أنْ يُبتلى الناس بالإيمان بها كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

نكتفي بهذا القدر، وعلى العموم مباحث أشراط الساعة كثيرة وأُلِّفَ فيها عدة مؤلفات يمكن أنْ ترجعوا إليها للمزيد، حتى الشارح ابن أبي العز ررحمه الله اقْتَضَبَ جداً في شرحه فاقتصر على إيراد الأحاديث الواردة في هذا الباب.

من أفضلها كتاب "النهاية" للحافظ ابن كثير لأنه مُحَرر، ومن الكتب المعاصرة كتاب أشراط الساعة ليوسف الوابل، وكذلك كتاب: "إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة" للشيخ العلامة حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله، ونحو هذه الكتب.


(١) أبو داود (٤٤٩) / النسائي (٦٨٩) / ابن ماجه (٧٣٩)
(٢) سبق ذكره (٩)
(٣) الترمذي (٢١٨١)

<<  <   >  >>