للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ».

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ «حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرُ الصِّيَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَا تَقُولُ فِي صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْوَاجِبِ غَيْرِهِ وَالتَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ؟ قُلْت: أُحِبُّ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ إنْ لَمْ يَكُنْ يُجْهِدُ الْمَرِيضَ وَيَزِيدُ مِنْ مَرَضِهِ وَالْمُسَافِرَ فَيَخَافُ مِنْهُ الْمَرَضَ فَلَهُمَا مَعًا الرُّخْصَةُ فِيهِ قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ وَإِتْمَامِهَا؟ فَقُلْت قَصْرُهَا فِي السَّفَرِ وَالْخَوْفِ رُخْصَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَصْرُهَا فِي السَّفَرِ بِلَا خَوْفٍ رُخْصَةٌ فِي السُّنَّةِ اخْتَارَهَا، وَلِلْمُسَافِرِ إتْمَامُهَا فَقَالَ: أَمَّا قَصْرُ الصَّلَاةِ فَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا جَعَلَهُ رُخْصَةً لِقَوْلِ اللَّهِ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَلَمَّا كَانَ إنَّمَا جَعَلَ لَهُمْ أَنْ يَقْصُرُوا خَائِفِينَ مُسَافِرِينَ فَهُمْ إذَا قَصَرُوا مُسَافِرِينَ بِمَا ذَكَرْت مِنْ السُّنَّةِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْقَصْرُ رُخَصًا لَا حَتْمًا أَنْ يَقْصُرُوا لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} رُخْصَةٌ بَيِّنَةٌ.

وَظَاهِرُ الْآيَةِ فِي صَوْمٍ أَنَّ الْفِطْرَ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ عَزْمٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} كَيْفَ لَمْ تَذْهَبْ إلَى أَنَّ الْفِطْرَ عَزْمٌ وَأَنَّهُ لَا يُجْزِي شَهْرُ رَمَضَانَ مَنْ صَامَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا مَعَ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَمَعَ أَنَّ الْآخَرَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ تَرْكُ الصَّوْمِ، وَأَنَّ عَمْرًا أَمَرَ رَجُلًا صَامَ فِي السَّفَرِ أَنْ يَقْضِيَ الصِّيَامَ قَالَ فَحَكَيْتُ لَهُ قُلْتُ فِي قَوْلِ اللَّهِ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أَنَّهَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَحَدٌ يُخَالِفُ فِي أَنَّ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ كَلَامٌ وَاحِدٌ وَأَنَّ الْكَلَامَ الْوَاحِدَ لَا يَنْزِلُ إلَّا مُجْتَمَعًا وَإِنْ نَزَلَتْ الْآيَتَانِ فِي السُّورَةِ مُفْتَرِقَتَيْنِ لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ مَعْنَى قَطْعِ الْكَلَامِ، قَالَ: أَجَلْ قُلْتُ فَإِذَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَفَرْضُ شَهْرِ رَمَضَانَ إنَّمَا أُنْزِلَ فِي الْآيَةِ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْآيَةَ بِفِطْرِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ رُخْصَةٌ؟ قَالَ: بَلَى فَقُلْت لَهُ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يَعْرِضُ فِي نَفْسِك إلَّا الْأَحَادِيثُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِنَّ الْآخِرَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ أَلَيْسَ الْفِطْرُ؟ قَالَ: فَقُلْت لَهُ: الْحَدِيثُ يُبَيِّنُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُفْطِرْ لِمَعْنَى نَسْخِ الصَّوْمِ وَلَا اخْتِيَارِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّوْمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْفِطْرِ، وَيَقُولُ «تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ» وَيَصُومُ ثُمَّ يُخْبِرُ بِأَنَّهُمْ أَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَبَى أَنْ يُفْطِرَ إذْ صَامَ فَأَفْطَرَ لِيُفْطِرَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ الْفِطْرِ لِصَوْمِهِ بِفِطْرِهِ كَمَا صَنَعَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَإِنَّهُ «أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَنْحَرُوا وَيَحْلِقُوا فَأَبَوْا فَانْطَلَقَ فَنَحَرَ وَحَلَقَ فَفَعَلُوا» قَالَ: فَمَا قَوْلُهُ «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ»؟ قُلْتُ: قَدْ أَتَى بِهِ جَابِرٌ مُفَسَّرًا فَذَكَر أَنَّ «رَجُلًا أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ فَلَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ بِهِ قَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» فَاحْتَمَلَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ يَبْلُغَ هَذَا رَجُلٌ بِنَفْسِهِ فِي فَرِيضَةِ صَوْمٍ وَلَا نَافِلَةٍ وَقَدْ أَرْخَصَ اللَّهُ لَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ أَنْ يُفْطِرَ فَلَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ يَبْلُغَ هَذَا بِنَفْسِهِ وَيَحْتَمِلُ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الْمَفْرُوضِ الَّذِي مَنْ خَالَفَهُ ثُمَّ قَالَ فَكَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ لَمْ يَقُلْ هَذَا قُلْتُ: كَعْبٌ رَوَى حَرْفًا وَاحِدًا وَجَابِرٌ سَاقَ الْحَدِيثَ، وَفِي صَوْمِ النَّبِيِّ دَلَالَةٌ عَلَى مَا وَصَفْتُ وَكَذَلِكَ فِي أَمْرِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو: «إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» وَفِي قَوْلِ أَنَسٍ: «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» قَالَ فَقَدْ رَوَى سَعِيدٌ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «خِيَارُكُمْ الَّذِينَ إذَا سَافَرُوا أَفْطَرُوا وَقَصَرُوا الصَّلَاةَ».

قُلْتُ وَهَذَا مِثْلُ مَا وَصَفْت خِيَارُكُمْ الَّذِينَ يَقْبَلُونَ الرُّخْصَةَ لَا يَدَعُونَهَا رَغْبَةً عَنْهَا لَا أَنَّ قَبُولَ الرُّخْصَةِ حَتْمٌ يَأْثَمُ بِهِ مَنْ تَرَكَهُ، قَالَ فَمَا أَمَرَ عُمَرُ رَجُلًا صَامَ فِي السَّفَرِ أَنْ يُعِيدَ قُلْت: لَا أَعْرِفُهُ عَنْهُ، وَإِنْ عَرَفْته فَالْحُجَّةُ ثَابِتَةٌ بِمَا وَصَفْتُ لَك وَأَوْصَلَ مَا نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فَالْحُجَّةُ لَازِمَةٌ لِلْخَلْقِ بِهِ وَعَلَى الْخَلْقِ اتِّبَاعُهُ وَقُلْت لَهُ مَنْ أَمَرَ الْمُسَافِرَ أَنْ يَقْضِيَ الصَّوْمَ فَمَذْهَبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ رَأَى الْآيَةَ حَتْمًا بِفِطْرِ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَمَنْ رَآهَا حَتْمًا قَالَ الْمُسَافِرُ مَنْهِيٌّ عَنْ

<<  <   >  >>