للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُنَجِّسُهُ كَمَا يَنْهَى الرَّجُلَ أَنْ يَتَغَوَّطَ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي يَأْوِي إلَيْهَا النَّاسُ لِمَا يَتَأَذَّى بِهِ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ لَا أَنَّ الْأَرْضَ مَمْنُوعَةٌ وَلَا أَنَّ التَّغَوُّطَ مُحَرَّمٌ وَلَكِنْ مَنْ رَأَى رَجُلًا يَبُولُ فِي مَاءٍ نَاقِعٍ قَذَّرَ الشُّرْبَ مِنْهُ وَالْوُضُوءَ بِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنْ جَعَلَتْ حَدِيثَ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ يُضَادُّ حَدِيثَ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَحَدِيثَ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ وَجَعَلْته عَلَى أَنَّ الْبَوْلَ يُنَجِّسُ كُلَّ مَاءٍ دَائِمٍ قِيلَ فَعَلَيْك حُجَّةٌ أُخْرَى مَعَ الْحُجَّةِ بِمَا وَصَفْتُ فَإِنْ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قِيلَ أَرَأَيْتَ رَجُلًا بَالَ فِي الْبَحْرِ أَيُنَجِّسُ بَوْلُهُ مَاءَ الْبَحْرِ؟ فَإِنْ قَالَ لَا، قِيلَ: مَاءُ الْبَحْرِ مَاءٌ دَائِمٌ وَقِيلَ لَهُ: أَفَتُنْجِسُ الْمَصَانِعَ الْكِبَارَ؟ فَإِنْ قَالَ لَا قِيلَ فَهِيَ مَاءٌ دَائِمٌ، وَإِنْ قَالَ: نَعَمْ دَخَلَهُ عَلَيْهِ مَاءُ الْبَحْرِ فَإِنْ قَالَ وَمَاءُ الْبَحْرِ يُنَجِّسُ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَ الْعَامَّةِ مَعَ خِلَافِهِ السُّنَّةَ، وَإِنْ قَالَ لَا هَذَا كَثِيرٌ، قِيلَ لَهُ: فَقُلْ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ مَا شِئْت لَمْ يَنْجُسْ فَإِنْ حَدَّدْته بِأَقَلَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ النَّجَاسَةِ قِيلَ لَك فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ بِقَدَحِ مَاءٍ فَإِنْ قُلْت يَنْجَسُ قِيلَ فَيُعْقَلُ أَبَدًا أَنْ يَكُونَ مَاءَانِ تُخَالِطُهُمَا نَجَاسَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تُغَيِّرُ مِنْهُمَا شَيْئًا يُنَجِّسُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ تَعَبَّدَ الْعِبَادُ بِاتِّبَاعِهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِخَبَرٍ عَنْ النَّبِيِّ وَالْخَبَرُ عَنْ النَّبِيِّ بِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنْ يَنْجَسَ مَا دُونَ خَمْسِ قِرَبٍ وَلَا يَنْجَسُ خَمْسُ قِرَبٍ فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا شَيْءٌ سِوَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ أَنْ يَنْجَسَ مَاءٌ وَلَا يَنْجَسُ آخَرُ وَهُمَا لَمْ يَتَغَيَّرَا إلَّا أَنْ يُجْمِعَ النَّاسُ فَلَا يَخْتَلِفُونَ فَتَتَبَّعْ إجْمَاعَهُمْ وَإِذَا تَغَيَّرَ طَعْمُ الْمَاءِ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ بِمُحَرَّمٍ يُخَالِطُهُ لَمْ يَطْهُرْ الْمَاءُ أَبَدًا حَتَّى يُنْزَحَ أَوْ يُصَبَّ عَلَى مَاءٍ كَثِيرٍ حَتَّى يَذْهَبَ مِنْهُ طَعْمُ الْمُحَرَّمِ وَلَوْنُهُ وَرِيحُهُ فَإِذَا ذَهَبَ فَعَادَ بِحَالِهِ الَّتِي جَعَلَهُ اللَّهُ بِهَا طَهُورًا ذَهَبَتْ نَجَاسَتَهُ وَمَا قُلْتُ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ طَعْمُ الْمَاءِ أَوْ رِيحُهُ أَوْ لَوْنُهُ كَانَ نَجَسًا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَجْهٍ لَا يُثْبِتُ مِثْلَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلَافًا وَمَعْقُولٌ أَنَّ الْحَرَامَ إذَا كَانَ جُزْءًا فِي الْمَاءِ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ كَانَ الْمَاءُ نَجَسًا وَذَلِكَ أَنَّ الْحَرَامَ إذَا مَاسَّ الْجَسَدَ فَعَلَيْهِ غَسْلُهُ فَإِذَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُهُ بِوُجُودِهِ فِي الْجَسَدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي الْمَاءِ فَيَكُونُ الْمَاءُ طَهُورًا وَالْحَرَامُ قَائِمٌ مَوْجُودٌ فِيهِ وَكُلُّ مَا وَصَفْتُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ الرَّاكِدُ فَأَمَّا الْجَارِي فَإِذَا خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ فَجَرَى فَالْآتِي بَعْدُ مَا لَمْ تُخَالِطْهُ وَالنَّجَاسَةُ فَهُوَ لَا يَنْجَسُ. وَإِذَا تَغَيَّرَ طَعْمُ الْمَاءِ أَوْ رِيحُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ جَمِيعُ ذَلِكَ بِلَا نَجَاسَةٍ خَالَطَتْهُ لَمْ يَنْجَسْ إنَّمَا يَنْجَسُ بِالْمُحَرَّمِ فَأَمَّا غَيْرُ الْمُحَرَّمِ فَلَا يَنْجَسُ بِهِ وَمَا وُصِفَ مِنْ هَذَا فِي كُلِّ مَا لَمْ يُصَبَّ عَلَى النَّجَاسَةِ يُرِيدُ إزَالَتَهَا فَإِذَا صُبَّ عَلَى نَجَاسَةٍ يُرِيدُ إزَالَتَهَا فَحُكْمُهُ غَيْرُ مَا وَصَفْتُ اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا وَإِذَا أَصَابَتْ الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ النَّجَاسَةُ فَصُبَّ عَلَيْهَا الْمَاءُ ثَلَاثًا وَدُلِكَتْ بِالْمَاءِ طَهُرَ وَإِنْ كَانَ مَا صُبَّ عَلَيْهَا مِنْ الْمَاءِ قَلِيلًا فَلَا يَنْجَسُ الْمَاءُ بِمُمَاسَّةِ النَّجَاسَةَ إذَا أُرِيدَ بِهِ إزَالَتُهَا عَنْ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ لَوْ نَجَسَ بِمُمَاسَّتِهَا بِهَذِهِ الْحَالِ لَمْ يَطْهُرْ وَكَانَ إذَا غُسِلَ الْغَسْلَةَ الْأُولَى نَجَسَ الْمَاءُ ثُمَّ كَانَ فِي الْمَاءِ الثَّانِي يُمَاسُّ مَاءً نَجَسًا فَيَنْجَسُ وَالْمَاءُ الثَّالِثُ يُمَاسُّ مَاءً نَجَسًا فَيَنْجَسُ وَلَكِنَّهَا تَطْهُرُ بِمَا وَصَفْتُ وَلَا يَجُوزُ فِي الْمَاءِ غَيْرُ مَا قُلْت لِأَنَّ الْمَاءَ يُزِيلُ الْأَنْجَاسَ حَتَّى يَطْهُرَ مِنْهَا مَا مَاسَّهُ وَلَا نَجِدُهُ يَنْجَسُ إلَّا فِي الْحَالِ الَّتِي أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمَاءَ يَنْجَسُ فِيهَا وَالدَّلَالَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْمَاءِ الْمَغْسُولِ بِهِ النَّجَاسَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» وَهُوَ يُغْسَلُ سَبْعًا بِأَقَلَّ مِنْ قَدَحِ مَاءٍ وَفِي أَنَّ «النَّبِيَّ أَمَرَ بِدَمِ الْحَيْضَةِ يُقْرَصُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يُغْسَلُ» وَهُوَ يُقْرَصُ بِمَاءٍ قَلِيلٍ وَيُنْضَحُ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ قَالَ: قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَك فِي الْمَاءِ فَلَوْ قُلْت لَا يَنْجَسُ الْمَاءُ بِحَالٍ لِلْقِيَاسِ عَلَى مَا وَصَفْتُ أَنَّ الْمَاءَ يُزِيلُ الْأَنْجَاسَ كَانَ قَوْلًا لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ رَدَّهُ وَلَكِنْ زَعَمْتَ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يُطَهَّرُ بِهِ يَنْجَسُ بَعْضُهُ فَقُلْت لَهُ إنِّي زَعَمْته بِالْعَرْضِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ إلَّا طَاعَةُ اللَّهِ بِالتَّسْلِيمِ لَهُ فَأَدْخَلَ حَدِيثَ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ» فَأَدْخَلْت عَلَيْهِ مَا وَصَفْت مِنْ إجْمَاعِ النَّاسِ فِيمَا عَلِمْته عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْهُ وَمِنْ مَاءِ الْمَصَانِعِ الْكِبَارِ وَالْبَحْرِ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِ حُجَّةٌ.

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْت لَهُ مَا عَلِمْتُكُمْ اتَّبَعْتُمْ فِي الْمَاءِ سُنَّةً وَلَا إجْمَاعًا وَلَا قِيَاسًا وَلَقَدْ

<<  <   >  >>