للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قُلْت فَقَدْ مَنَعْتهَا إذًا أَكْثَرَ مَسَاجِدِ اللَّهِ قَالَ فَكُلُّ مَا قُلْت مِنْ هَذَا مُخَالِفًا قَوْلَ أَهْلِ الْعِلْمِ قُلْت أَجَلْ وَقَدْ تَرَكْت إبَانَةَ ذَلِكَ لِتَعْرِفَ أَنَّ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ فِيهِ كُلَّهُ عَلَى غَيْرِ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ وَهَلْ عَلِمْت مُخَالِفًا فِي أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ مَسْجِدَ عَشِيرَتِهَا وَإِنْ كَانَ عَلَى بَابِهَا وَالْجُمُعَةَ الَّتِي لَا أَوْجَبَ مِنْهَا فِي الْمِصْرِ؟ قَالَ: وَمَا عَلِمْته قُلْت فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَسَاءَلْت عَنْهُ حُجَّةٌ إلَّا مَا وَصَفْت اسْتَدْلَلْت بِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ إذَا كَانَ لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ وَقَيِّمِهَا مَنْعُهَا مِنْ الْجُمُعَةِ وَمَسْجِدِ عَشِيرَتِهَا كَانَ مَعْنَى «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» خَاصًّا عَلَى مَا قُلْت لَك لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَجْهَلُ مَعْنَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ عَامَّةُ مَنْ حَضَرَ هَذَا كَمَا قُلْت فِيمَا أَدْخَلْت عَلَى مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ شَيْئًا مِنْ مَسَاجِدِ اللَّهِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْك أَنْ تَسْأَلَ مَا مَعْنَى «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ»؟ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ خَاصٌّ فَأَيُّ الْمَسَاجِدِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إمَاءَ اللَّهِ؟ قُلْت لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مَسْجِدَ اللَّهِ الْحَرَامَ لِفَرِيضَةِ الْحَجِّ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهَا تَطَوُّعًا، وَمِنْ الْمَسَاجِدِ غَيْرَهُ قَالَ فَمَا دَلَّ عَلَى مَا قُلْت؟ قُلْت: قَالَ اللَّهُ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ «السَّبِيلُ الزَّادُ وَالْمَرْكَبُ» فَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ يَجِدُ مَرْكَبًا وَزَادًا وَتُطِيقُ السَّفَرَ لِلْحَجِّ فَهِيَ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الْحَجِّ وَلَا يَحِلُّ أَنْ تُمْنَعَ فَرِيضَةَ الْحَجِّ كَمَا لَا تُمْنَعُ فَرِيضَةَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْفَرَائِضِ. قَالَ فَهَلْ عَلَى وَلِيِّهَا أَنْ يُحِجَّهَا مِنْ مَالِهَا لَوْ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا؟ قُلْت: نَعَمْ كَمَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ عَنْهَا. قَالَ فَهَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مَعَهَا؟ قُلْت: لَا وَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ، وَقَلَّ مُسْلِمٌ يَدَعُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أُجْبِرْهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا وَجَدَتْ نِسْوَةً ثِقَاتٍ حَجَّتْ مَعَهُنَّ وَأَجْبَرْت وَلِيَّهَا عَلَى تَرْكِهَا وَالْحَجِّ مَعَ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ إذَا كَانَتْ طَرِيقُهَا آمِنَةً مَنْ كَانَ وَلِيُّهَا زَوْجَهَا أَوْ غَيْرَهُ. قَالَ فَمَا مَعْنَى نَهْيِهَا عَنْ السَّفَرِ؟ قُلْت نَهْيُهَا عَنْ السَّفَرِ فِيمَا لَا يَلْزَمُهَا. قَالَ فَمَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهَا إنَّمَا نُهِيَتْ عَنْ السَّفَرِ فِيمَا لَا يَلْزَمُهَا؟ قُلْت بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ اللَّهِ أَنَّ حَدَّ الزَّانِيَيْنِ الْبِكْرَيْنِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالتَّغْرِيبُ سَفَرٌ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يُخْلَى بِامْرَأَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» وَفِي التَّغْرِيبِ خَلْوَةٌ بِهَا مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ وَسَفَرٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُنْهَى عَنْ سَفَرِهَا فِيمَا لَا يَلْزَمُهَا وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ امْرَأَةً لَوْ كَانَتْ بِبَلَدٍ نَاءٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ فَأَحْدَثَتْ حَدَثًا يَكُونُ عَلَيْهَا فِيهِ حَدٌّ أَوْ حَقٌّ لِمُسْلِمٍ أَوْ خُصُومَةٌ لَهُ جُلِبَتْ إلَى الْحَاكِمِ فَدَلَّ هَذَا عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهَا نُهِيَتْ عَنْ السَّفَرِ فِيمَا لَا يَلْزَمُهَا فَإِذَا قَضَتْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَلِوَلِيِّهَا مَنْ كَانَ مَنْعُهَا مِنْ الْحَجِّ وَمِنْ جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ إلَّا شَيْئًا سَأَذْكُرُهُ فِي الْعِيدَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

قَالَ أَفَتَجِدُ عَلَى هَذَا دَلَالَةً؟ قُلْت: نَعَمْ مَا وَصَفْت لَك مِنْ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ عَلَى أَحَدٍ قَطُّ أَنْ يُسَافِرَ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِلْحَجِّ وَأَنَّ الْأَسْفَارَ إلَى الْمَسَاجِدِ نَافِلَةٌ غَيْرُ السَّفَرِ لِلْحَجِّ وَفِي مَنْعِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ الْحَجَّ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ إنَّمَا هِيَ هَذِهِ الْحَجَّةُ ثُمَّ ظُهُورُ الْحُصْرِ قَالَ: وَإِنَّ إتْيَانَ الْجُمُعَةِ فَرْضٌ عَلَى الرِّجَالِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَلَمْ نَعْلَمْ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ امْرَأَةً خَرَجَتْ إلَى جُمُعَةٍ وَلَا جَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ وَأَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ بِمَكَانِهِنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْلَى بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ فَإِنْ قِيلَ فَإِنَّهُنَّ ضُرِبَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ قِيلَ وَقَدْ كُنَّ لَا حِجَابَ عَلَيْهِنَّ ثُمَّ ضُرِبَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ فَلَمْ يُرْفَعْ عَنْهُنَّ مِنْ الْفَرَائِضِ شَيْءٌ وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا أَوْجَبَ عَلَى النِّسَاءِ إتْيَانَ الْجُمُعَةِ كُلٌّ رَوَى أَنَّ الْجُمُعَةَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إلَّا امْرَأَةً أَوْ مُسَافِرًا أَوْ عَبْدًا فَإِذَا سَقَطَ عَنْ الْمَرْأَةِ فَرْضُ الْجُمُعَةِ كَانَ فَرْضُ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ وَالنَّافِلَةِ فِي الْمَسَاجِدِ عَنْهُنَّ أَسْقَطَ. قَالَ: فَقَالَ وَمَا فُرِضَ إتْيَانُ الْجُمُعَةِ إلَّا عَلَى الرَّجُلِ وَلَيْسَ هَذَا عَلَى النِّسَاءِ بِفَرْضٍ وَمَا هُنَّ فِي إتْيَانِ الْمَسَاجِدِ لِلْجَمَاعَاتِ كَالرِّجَالِ فَقُلْت لَهُ إنَّ الْحُجَّةَ لَتَقُومُ بِأَقَلَّ مِمَّا وَصَفْت لَك وَعَرَفْت بِنَفْسِك وَعَرَفَ النَّاسُ مَعَك وَقَدْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ نِسَاءٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَبَنَاتِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَمَوْلَيَاتِهِ وَخَدَمِهِ وَخَدَمِ أَهْلِ بَيْتِهِ فَمَا عَلِمْت مِنْهُنَّ امْرَأَةً خَرَجَتْ إلَى شُهُودِ جُمُعَةٍ وَالْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الرِّجَالِ بِأَكْثَرَ مِنْ وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَوَاتِ غَيْرِهَا وَلَا إلَى جَمَاعَةٍ غَيْرِهَا فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَلَا إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ يَأْتِيهِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَلَا إلَى

<<  <   >  >>