للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ: حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِنْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ فَوَاَللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ شَيْءٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَا رَوَتْ عَائِشَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ. فَإِنْ قِيلَ فَأَيْنَ دَلَالَةُ الْكِتَابِ؟ قِيلَ فِي قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} وَقَوْلُهُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} وَقَوْلُهُ {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَعَمْرَةُ أَحْفَظُ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَحَدِيثُهَا أَشْبَهَ الْحَدِيثَيْنِ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا فَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ عَلَى غَيْرِ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ: «إنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا» فَهُوَ وَاضِحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرٍ لِأَنَّهَا تُعَذَّبُ بِالْكُفْرِ وَهَؤُلَاءِ يَبْكُونَ وَلَا يَدْرُونَ مَا هِيَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ فَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ عَلَى الْكَافِرِ عَذَابًا أَعْلَى فَإِنْ عُذِّبَ بِدُونِهِ فَزِيدَ فِي عَذَابِهِ فِيمَا اسْتَوْجَبَ وَمَا نِيلَ مِنْ كَافِرٍ مِنْ عَذَابٍ أَدْنَى مِنْ أَعْلَى مِنْهُ وَمَا زِيدَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَذَابِ فَبِاسْتِيجَابِهِ لَا بِذَنْبِ غَيْرِهِ فِي بُكَائِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ يَزِيدُهُ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، قِيلَ يَزِيدُهُ بِمَا اسْتَوْجَبَ بِعَمَلِهِ وَيَكُونُ بُكَاؤُهُ سَبَبًا لَا أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِبُكَائِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ أَيْنَ دَلَالَةُ السُّنَّةِ؟ قِيلَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِرَجُلٍ ابْنُك هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ أَمَا إنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْك وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ» فَأَعْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ مِثْلَ مَا أَعْلَمَ اللَّهُ مِنْ أَنَّ جِنَايَةَ كُلِّ امْرِئٍ عَلَيْهِ كَمَا عَمَلُهُ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ وَلَا عَلَيْهِ.

بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى أَنْ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةُ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» قَالَ أَبُو أَيُّوبَ فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ مِنْ قَبْلِ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.

أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إذَا قَعَدْت عَلَى حَاجَتِك فَلَا تَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ لَقَدْ ارْتَقَيْت عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَيْسَ يُعَدُّ هَذَا اخْتِلَافًا وَلَكِنَّهُ مِنْ الْجُمَلِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْمُعَدِّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): كَانَ الْقَوْمُ عَرَبًا إنَّمَا عَامَّةُ مَذَاهِبِهِمْ فِي الصَّحَارِي وَكَثِيرٌ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ لَا حَشَّ فِيهَا يَسْتُرُهُمْ فَكَانَ الذَّاهِبُ لِحَاجَتِهِ إذَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ أَوْ اسْتَدْبَرَهَا اسْتَقْبَلَ الْمُصَلَّى بِفَرْجِهِ أَوْ اسْتَدْبَرَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ ضَرُورَةٌ فِي أَنْ يُشَرِّقُوا أَوْ يُغَرِّبُوا فَأُمِرُوا بِذَلِكَ وَكَانَتْ الْبُيُوتُ مُخَالِفَةً لِلصَّحْرَاءِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِهَا كَانَ مَنْ فِيهِ مُسْتَتِرًا لَا يَرَاهُ إلَّا مَنْ دَخَلَ أَوْ أَشْرَفَ عَلَيْهِ وَكَانَتْ الْمَذَاهِبُ بَيْنَ الْمَنَازِلِ مُتَضَايِقَةً لَا يُمْكِنُ مِنْ التَّحَرُّفِ فِيهَا مَا يُمْكِنُ فِي الصَّحْرَاءِ فَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عُمَرَ مَا رَأَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ اسْتِقْبَالِهِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَهُوَ حِينَئِذٍ مُسْتَدْبَرُ الْكَعْبَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا فِي الصَّحْرَاءِ دُونَ الْمَنَازِلِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَسَمِعَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ النَّهْيَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا عَلِمَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ اسْتِقْبَالِهِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ فَخَافَ الْمَأْثَمَ فِي أَنْ يَجْلِسَ عَلَى مِرْحَاضٍ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ وَتَحَرَّفَ لِئَلَّا يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ غَيْرَهُ وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ النَّبِيَّ فِي مَنْزِلِهِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ فَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ نَهَى عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِحَاجَتِهِ وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ غَيْرَهُ أَوْ لَمْ يَرْوِ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ خِلَافَهُ وَلَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُمْ فَرَآهُ رَأْيًا لَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْزُوهُ إلَى النَّبِيِّ، وَمَنْ عَلِمَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا وَرَآهُمَا مُحْتَمِلَيْنِ أَنْ يُسْتَعْمَلَا اسْتَعْمَلَهُمَا مَعًا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْحَالَ

<<  <   >  >>