للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْحَجَّاجُ، فَلَبِثَ مَلِيًّا لا أَشُكُّ أَنَّهُمَا فِي أَمْرِي، ثُمَّ خَرَجَ الإِذْنُ، فَقَالَ: قُمْ يَابْنَ طَلْحَةَ فَادْخُلْ، فَلَمَّا كُشِفَ لِيَ السِّتْرُ لَقِيَنِي الْحَجَّاجُ، وَهُوَ خَارِجٌ وَأَنَا دَاخِلٌ، فَاعْتَنَقَنِي وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيَّ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِذَا جَزَى اللَّهُ الْمُتَوَاخِينَ بِفَضْلِ تَوَاصُلِهِمْ، فَجَزَاكَ اللَّهُ أَفْضَلَ مَا جَزَى أَخًا عَنْ أَخِيهِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ سَلِمْتُ لأَرْفَعَنَّ نَاظِرَكَ، وَلأُعْلِيَنَّ كَعْبَكَ، وَلأُتْبِعَنَّ الرِّجَالَ غُبَارَ قَدَمَيْكَ.

قَالَ: فَقُلْتُ: يَهْزَأُ بِي، فَلَمَّا وَصَلْتُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ أَدْنَانِي، حَتَّى أَجْلَسَنِي فِي مَجْلِسِي الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: يَابْنَ طَلْحَةَ، لَعَلَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ شَارَكَكَ فِي نَصِيحَتِكَ؟ قُلْتُ: لا وَاللَّهِ، وَلا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَظْهَرَ عِنْدِي مَعْرُوفًا، وَلا أَوْضَحَ يَدًا مِنَ الْحَجَّاجِ، وَلَوْ كُنْتُ مُحَابِيًا أَحَدًا بِدِينِي لَكَانَ هُوَ، وَلَكِنِّي آثَرْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَنْتَ عَلَيْهِ.

قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ آثَرْتَ اللَّهَ وَلَوْ أَرَدْتَ الدُّنْيَا لَكَانَ لَكَ فِي الْحَجَّاجِ، وَقَدْ أَزَحْتَ الْحَجَّاجَ عَنِ الْحَرَمَيْنِ لِمَا كَرِهْتَ مِنْ وِلايَتِهِ عَلَيْهِمَا، وَأَعْلَمْتُهُ أَنَّكَ اسْتَنْزَلْتَنِي لَهُ عَلَيْهِمَا اسْتِصْغَارًا لَهُمَا عَنْهُ، وَوَلَّيْتُهُ الْعِرَاقَيْنِ لِمَا هُنَاكَ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي لا يَدْحَضُهَا إِلا مِثْلُهُ، وَأَعْلَمْتُهُ أَنَّكَ اسْتَدْعَيْتَنِي إِلَى التَّوْلِيَةِ عَلَيْهِمَا اسْتِزَادَةً لَهُ، لِتُلْزِمَهُ نَصِيحَتَكَ مَا يُؤَدِّي بِهِ عَنِّي إِلَيْكَ الْحَقَّ، وَتَصِيرَ مِنْهُ إِلَى الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ، فَاخْرُجْ مَعَهُ، فَإِنَّكَ غَيْرُ ذَامٍّ صُحْبَتَهُ.

<<  <   >  >>