للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُقَدَّمُ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ، أَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ؛ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالرِّدَّةِ عِنْدَهُ فَلَا يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ مِنْ مَحِلٍّ آخَرَ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْهُ، كَالذِّمِّيِّ إذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ يَكُونُ مَالُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُقْضَى مِنْهُ كَذَلِكَ هَاهُنَا. وَجْهُ الثَّالِثِ أَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَسْبَ الرِّدَّةِ خَالِصُ حَقِّهِ، فَكَانَ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْلَى إلَّا إذَا تَعَذَّرَ بِأَنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ تَقْدِيمًا لِحَقِّهِ.

الْفَرَاغُ عَنْ حَقِّ الْمُوَرِّثِ فَيُقَدَّمُ الدَّيْنُ، وَأَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالرِّدَّةِ عِنْدَهُ فَلَا يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبُ الْإِسْلَامِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِلْكَهُ كَيْفَ يُؤَدَّى مِنْهُ دَيْنُهُ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (كَالذِّمِّيِّ إذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ) فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مِلْكٌ فِيمَا اكْتَسَبَهُ بَلْ يَكُونُ مَالُهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُقْضَى مِنْهُ. وَقَوْلُهُ (وَجْهُ الثَّالِثِ أَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ) تَقْرِيرُهُ: كَسْبُ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَسْبُ الرِّدَّةِ خَالِصُ حَقِّهِ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ خَالِصِ حَقِّهِ أَوْلَى مِنْهُ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ بِأَنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ تَقْدِيمًا لِحَقِّهِ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ مَا قِيلَ إنَّ هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ: أَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالرِّدَّةِ.

وَالثَّانِي أَنَّ كَوْنَ كَسْبِ الْإِسْلَامِ حَقَّ الْوَرَثَةِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ حَقَّهُمْ إنَّمَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِالتَّرِكَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَنْ حَقِّ الْمُوَرِّثِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ خَالِصِ حَقِّهِ وَاجِبٌ وَمِنْ حَقِّ غَيْرِهِ مُمْتَنِعٌ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ فَكَانَ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْلَى. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَعْنَى مِنْ خُلُوصِ الْحَقِّ هَاهُنَا هُوَ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ بِهِ كَمَا ثَبَتَ التَّعَلُّقُ فِي مَالِ الْمَرِيضِ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ خَالِصَ حَقِّهِ كَوْنُهُ مِلْكًا لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ خَالِصُ حَقِّهِ وَلَيْسَ بِمِلْكٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ إذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا آنِفًا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، لَا بِمَا زَالَ مِنْ قَبْلُ، وَكَسْبُ الْإِسْلَامِ قَدْ زَالَ وَانْتَقَلَ بِالرِّدَّةِ إلَى الْوَرَثَةِ، وَكَسْبُهُ فِي الرِّدَّةِ هُوَ مَالُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِهِ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ خَالِصَ حَقِّهِ بِالتَّوْبَةِ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا خَالِصَ حَقِّهِ، وَالْآخَرُ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ خَالِصَ حَقِّهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْلَى. هَذَا عَلَى طَرِيقَةِ أَبِي حَنِيفَةَ Object. وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْ الْكَسْبَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>