للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَإِذَا حَضَرَ رَجُلٌ فَادَّعَى اللُّقَطَةَ لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ. فَإِنْ أَعْطَى عَلَامَتَهَا حَلَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ). وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: يُجْبَرُ، وَالْعَلَامَةُ مِثْلُ أَنْ يُسَمِّيَ وَزْنَ الدَّرَاهِمِ وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا. لَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ يُنَازِعُهُ فِي الْيَدِ وَلَا يُنَازِعُهُ فِي الْمِلْكِ، فَيُشْتَرَطُ الْوَصْفُ لِوُجُودِ الْمُنَازَعَةِ مِنْ وَجْهٍ، وَلَا تُشْتَرَطُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ لِعَدَمِ الْمُنَازَعَةِ مِنْ وَجْهٍ.

وَلَنَا أَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ كَالْمِلْكِ فَلَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ وَهُوَ الْبَيِّنَةُ اعْتِبَارًا بِالْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الدَّفْعُ عِنْدَ إصَابَةِ الْعَلَامَةِ لِقَوْلِهِ ﵊ «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَعَرَفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ» وَهَذَا لِلْإِبَاحَةِ عَمَلًا بِالْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ ﵊ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» الْحَدِيثَ

الْغُرَبَاءِ، لِأَنَّ النَّاسَ يَأْتُونَ إلَيْهَا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ثُمَّ يَتَفَرَّقُونَ بِحَيْثُ يَنْدُرُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلْغُرَبَاءِ لَا يُظَنُّ عَوْدُهُمْ فِي سَنَةٍ وَأَكْثَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ التَّعْرِيفُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، فَأَزَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَلِكَ الْوَهْمَ بِقَوْلِهِ «لَا يَحِلُّ رَفْعُ لُقَطَتِهَا إلَّا لِمُعَرِّفِهَا» كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ.

وَقَوْلُهُ (لَهُمَا) أَيْ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ مُنَازَعٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُكْتَفَى فِي الْحُجَّةِ بِذِكْرِ الْوَصْفِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (وَلَنَا أَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ كَالْمِلْكِ) بِدَلِيلِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي غَصْبِ الْمُدَبَّرِ بِاعْتِبَارِ إزَالَةِ الْيَدِ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ مِلْكًا.

وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ الْأَمْرُ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَادْفَعْهَا (لِلْإِبَاحَةِ) أَيْ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ (لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِالْمَشْهُورِ) وَهُوَ قَوْلُهُ ﵊ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَحُمِلَ عَلَى الْوُجُوبِ لَزِمَ التَّعَارُضُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلتَّرْكِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْحَمْلُ عَلَى الْإِبَاحَةِ عَمَلًا بِالْمَشْهُورِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ جَوَازِ الرَّفْعِ أَيْضًا، لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْوُجُوبِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْجَوَازِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يَقُلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>