للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا) لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ رُؤْيَةَ الْآخَرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الثِّيَابِ فَبَقِيَ الْخِيَارُ فِيمَا لَمْ يَرَهُ، ثُمَّ لَا يَرُدُّهُ وَحْدَهُ بَلْ يَرُدُّهُمَا كَيْ لَا يَكُونَ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَلِهَذَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ.

قَالَ (وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ الْآحَادِ فِي الْبَيْعِ رُؤْيَةَ بَعْضِهَا لَا يُعَرِّفُ الْبَاقِيَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَعَلَى هَذَا إذَا رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ فَلَهُ الْخِيَارُ، لَكِنْ لَا يَرُدُّ الَّذِي رَآهُ وَحْدَهُ، بَلْ يَرُدُّهُمَا إنْ شَاءَ كَيْ لَا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا مَعْنَى تَمَامِ الصَّفْقَةِ، وَأَنَّهَا لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَلِكَوْنِهَا غَيْرَ تَامَّةٍ يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَيَكُونُ الرَّدُّ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِصِفَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. فَإِنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «نَهَى النَّبِيُّ ﵊ عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ» قِيلَ: تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَهُوَ يَقْتَضِي رَدَّهُمَا جَمِيعًا إنْ شَاءَ، وَقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ» الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الَّذِي لَمْ يَرَهُ وَحْدَهُ، فَمَا وَجْهُ تَرْجِيحِ حَدِيثِ النَّهْيِ عَلَى الْمُجِيزِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُوجِبَ النَّهْيِ مُطَّرِدٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ، وَمُوجِبَ الْمُجِيزِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ إذَا تَعَيَّبَ أَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ أَوْ دَبَّرَهُ وَالْمُطَّرِدُ رَاجِحٌ وَبِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَالْمُحَرَّمُ رَاجِحٌ عَلَى الْمُبِيحِ، أَوْ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمُبِيحِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَكْرِيرُ النَّسْخِ وَبِأَنَّ الرَّدَّ كَمَا كَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ؟ لِأَنَّ رَدَّ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ لَا يَكُونُ رَدًّا لِأَنَّهُ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لَا أَحَدَهُمَا، وَالرَّدُّ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَرْدُودُ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ تَفْرِيقِهَا مُطْلَقًا، وَقَدْ قَيَّدْتُمْ بِمَا قَبْلَ التَّمَامِ فَيَكُونُ مَتْرُوكَ الظَّاهِرِ، وَمِثْلُهُ مَرْجُوحٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ عَنْ التَّفْرِيقِ وَالتَّقْيِيدِ بِمَا قَبْلَ التَّمَامِ بِالْقِيَاسِ عَلَى ابْتِدَاءِ الصَّفْقَةِ، فَإِنَّهُ إذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ فِي شَيْئَيْنِ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْقَبُولَ فِي أَحَدِهِمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْبَائِعِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ بِضَمِّ الرَّدِيءِ إلَى الْجَيِّدِ تَرْوِيجًا لَهُ بِالْجَيِّدِ، فَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ رَدِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>