للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَإِنْ غَصَبَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ آنِيَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَأْخُذُهَا وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ، وَقَالَا: يَمْلِكُهَا الْغَاصِبُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا)؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُعْتَبَرَةً صَيَّرَ حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَسَرَهُ وَفَاتَ بَعْضُ الْمَقَاصِدِ وَالتِّبْرُ لَا يَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَاتِ وَالشَّرِكَاتِ وَالْمَضْرُوبُ يَصْلُحُ لِذَلِكَ. وَلَهُ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ وَمَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ الثَّمَنِيَّةُ وَكَوْنُهُ مَوْزُونًا وَأَنَّهُ بَاقٍ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الرِّبَا بِاعْتِبَارِهِ وَصَلَاحِيَّتِهِ لِرَأْسِ الْمَالِ مِنْ أَحْكَامِ الصَّنْعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، وَكَذَا الصَّنْعَةُ فِيهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا. .

قَالَ (وَمِنْ غَصَبَ سَاجَةً فَبَنَى عَلَيْهَا زَالَ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا وَلَزِمَ الْغَاصِبَ قِيمَتُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَدَّمْنَاهُ.

مِنْ تَعْلِيلِ مَسْأَلَةٍ: وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَاسْتَغَلَّهُ فَنَقَصَتْهُ الْغَلَّةُ فَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ.

قَالَ (وَإِنْ غَصَبَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا) إذَا غَصَبَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ آنِيَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَأْخُذُهَا وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ. وَقَالَا: يَمْلِكُهَا الْغَاصِبُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا، لِأَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُعْتَبَرَةً مُتَقَوِّمَةً صَيَّرَ إحْدَاثَهَا حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَسَرَهُ وَفَاتَ بَعْضُ الْمَقَاصِدِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ تِبْرًا وَهُوَ لَا يَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَاتِ وَالشَّرِكَاتِ وَبَعْدَمَا ضَرَبَهُ صَلُحَ لِذَلِكَ.

وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَغَايُرِهِمَا مَعْنًى وَاسْمًا، لِأَنَّهُ قَبْلَ الضَّرْبِ كَانَ يُسَمَّى تِبْرًا وَفِضَّةً وَذَهَبًا وَبَعْدَهُ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ وَالْأَحْكَامُ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهِيَ الثَّمَنِيَّةُ وَكَوْنُهُ مَوْزُونًا وَجَرَيَانُ الرِّبَا وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ كَذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمَالِكِ (قَوْلُهُ وَصَلَاحِيَّتُهُ لِرَأْسِ الْمَالِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَالتِّبْرُ لَا يَصْلُحُ إلَخْ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الصَّلَاحِيَّةَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُقْتَضَى الطَّبِيعَةِ يَحْدُثُ بِالصَّنْعَةِ لَا أَنَّهُ هَلَكَ الْعَيْنُ بِهَا مِنْ وَجْهٍ.

وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الصَّنْعَةُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُعْتَبَرَةً مُتَقَوِّمَةً، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا، وَإِنَّمَا تَتَقَوَّمُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ، بِخِلَافِ الْجِنْسِ كَمَنْ اسْتَهْلَكَ قَلْبَ فِضَّةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مِنْ الذَّهَبِ مَصُوغًا عِنْدَنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ مِثْلَ قِيمَتِهَا مِنْ جِنْسِهَا أَدَّى إلَى الرِّبَا، وَلَوْ أَوْجَبْنَا مِثْلَ وَزْنِهَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْ الْجَوْدَةِ وَالصَّنْعَةِ، فَلِمُرَاعَاةِ حَقِّ الْمَالِكِ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ الرِّبَا قُلْنَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ مَصُوغًا، وَإِنْ وَجَدَهُ صَاحِبُهُ مَكْسُورًا فَرَضِيَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْلٌ مَا بَيْنَ الْمَكْسُورِ وَالصَّحِيحِ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ عَيْنُ مَالِهِ فَبَقِيَتْ الصَّنْعَةُ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ، وَلَا قِيمَةَ لَهَا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ الصَّنْعَةُ مُتَقَوِّمَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا تَصْلُحُ لِإِبْطَالِ حَقٍّ ثَابِتٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ

(وَمَنْ غَصَبَ سَاجَةً) بِالْجِيمِ وَهِيَ الْخَشَبَةُ الْعَظِيمَةُ، لِأَنَّ السَّاحَةَ بِالْحَاءِ سَتَأْتِي بَعْدَ هَذَا (فَبَنَى عَلَيْهَا زَالَ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا وَلَزِمَ الْغَاصِبَ قِيمَتُهَا) وَذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السَّاجَةِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاجَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا، وَسَيَظْهَرُ لَك وَجْهُ ذَلِكَ إنْ تَأَمَّلْت فِي قَوْلِهِ وَجْهٌ آخَرُ لَنَا فِيهِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَدَّمْنَاهُ) يَعْنِي فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>