للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ ثَابِتَةً عَلَى الْوَلَدِ لَا يُزِيلُهَا، إذْ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْمَنْعِ، حَتَّى لَوْ مَنَعَ الْوَلَدَ بَعْدَ طَلَبِهِ يَضْمَنُهُ، وَكَذَا إذَا تَعَدَّى فِيهِ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَذَلِكَ بِأَنْ أَتْلَفَهُ أَوْ ذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ، وَفِي الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ لَا يَضْمَنُ وَلَدَهَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِرْسَالِ لِعَدَمِ الْمَنْعِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ إذَا هَلَكَ بَعْدَهُ لِوُجُودِ الْمَنْعِ بَعْدَ طَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الشَّرْعُ، عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا.

وَلَوْ أَطْلَقَ الْجَوَابَ فَهُوَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ،

سَلَّمْنَا ذَلِكَ، لَكِنْ لَا إزَالَةَ ثَمَّةَ ظَاهِرًا، إذْ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْمَنْعِ عِنْدَ الطَّلَبِ، حَتَّى لَوْ مَنَعَهُ بَعْدَ الطَّلَبِ أَوْ تَعَدَّى فِيهِ قُلْنَا بِالضَّمَانِ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ، وَذَلِكَ بِأَنْ أَتْلَفَهُ أَوْ ذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ التَّسْلِيمَ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ لَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ بَلْ بِالتَّسْلِيمِ بَعْدَهُ فَإِنَّ تَفْوِيتَ يَدِهِ يَحْصُلُ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَخْذِهِ مِنْ الْغَاصِبِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْأُمَّ مَضْمُونَةٌ أَلْبَتَّةَ، وَالْأَوْصَافُ الْقَارَّةُ فِي الْأُمَّهَاتِ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ كَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالْمِلْكِ فِي الشِّرَاءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمَانَ لَيْسَ بِصِفَةٍ قَارَّةٍ فِي الْأُمِّ بَلْ هُوَ لُزُومُ حَقٍّ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ، فَإِنْ وُصِفَ بِهِ الْمَالُ كَانَ مَجَازًا. فَإِنْ قِيلَ: وَقَدْ وُجِدَ الضَّمَانُ فِي مَوَاضِعَ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِيهَا فَكَانَ أَمَارَةَ زَيْفِهَا، وَذَلِكَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُزِلْ يَدَ الْمَالِكِ بَلْ أَزَالَ يَدَ الْغَاصِبِ، وَالْمُلْتَقِطُ إذَا لَمْ يَشْهَدْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِشْهَادِ وَلَمْ يُزِلْ يَدًا، وَالْمَغْرُورُ إذَا مَنَعَ الْوَلَدَ يَضْمَنُ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ يُزِلْ يَدًا فِي حَقِّ الْوَلَدِ، وَيَضْمَنُ الْأَمْوَالَ بِالْإِتْلَافِ تَسَبُّبًا كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ إزَالَةُ يَدِ أَحَدٍ وَلَا إثْبَاتُهَا.

فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا قُلْنَا إنَّ الْغَصْبَ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ يُوجِبُ الضَّمَانَ مُطَّرِدٌ لَا مَحَالَةَ، وَأَمَّا أَنَّ كُلَّ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَانَ غَصْبًا فَلَمْ يَلْتَزِمْ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ حُكْمًا نَوْعِيًّا يَثْبُتُ كُلُّ شَخْصٍ مِنْهُ بِشَخْصٍ مِنْ الْعِلَّةِ مِمَّا يَكُونُ تَعَدِّيًا (قَوْلُهُ وَفِي الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَرَمِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَمَا فِي الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَرَمِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِيَاسَ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ إنْ قَاسَ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِرْسَالِ فَهُوَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الْمَنْعِ، وَإِنْ قَاسَ عَلَيْهَا بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْمَنْعِ بَعْدَ طَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الشَّرْعُ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأُمَّ مَضْمُونَةٌ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْجَوَابِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا (وَإِذَا أَطْلَقَ) يَعْنِي لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ فِي وَلَدِ الظَّبْيَةِ سَوَاءٌ هَلَكَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِرْسَالِ أَوْ بَعْدَهُ (فَهُوَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ) أَيْ إتْلَافٍ لِأَنَّ صَيْدَ الْحَرَمِ وَزَوَائِدَهُ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>