للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَمَّ رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ فَلَمْ يَعْطَبْ ثُمَّ عَطِبَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ لَا يَضْمَنُ) ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفِكَاكِ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ لَا بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْفِكَاكِ وَقَدْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْوُصُولِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ، أَمَّا الْمُسْتَعِيرُ فِي الرَّهْنِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُ الْآمِرِ وَهُوَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ وَتَحَقُّقِ الِاسْتِيفَاءِ

قَالَ (وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيتُ حَقٍّ لَازِمٍ مُحْتَرَمٍ، وَتَعَلُّقُ مِثْلِهِ بِالْمَالِ يَجْعَلُ الْمَالِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ كَتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ يَمْنَعُ نَفَاذَ تَبَرُّعِهِ فِيمَا وَرَاءَ الثُّلُثِ، وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ إذَا أَتْلَفَهُ الْوَرَثَةُ ضَمِنُوا قِيمَتَهُ لِيُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ يَقُومُ مَقَامَهُ

قَالَ (وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ تَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِهَا) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى صِفَةِ الدَّيْنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُ الْمَالِكِ، وَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ فَيَضْمَنُهُ لِمَالِكِهِ

قَالَ (وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَعَلَى مَالِهِمَا هَدْرٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

وَقَالَا: جِنَايَتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ مَا يُوجِبُ الْمَالَ، أَمَّا الْوِفَاقِيَّةُ فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ كَانَ الْكَفَنُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ يَثْبُتُ لِلْغَاصِبِ مُسْتَنِدًا حَتَّى يَكُونَ الْكَفَنُ عَلَيْهِ، فَكَانَتْ جِنَايَةً عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ فَاعْتُبِرَتْ

ــ

[العناية]

وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ (أَمَّا الْمُسْتَعِيرُ فِي الرَّهْنِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُ الْآمِرِ) يَعْنِي بِتَسْلِيمِ الرَّهْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ سَعَى فِي جَعْلِ الْمُسْتَعِيرِ فِي الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمُودَعِ لِيَكُونَ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ رَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ فَيَبْرَأَ مِنْ الضَّمَانِ، وَهُوَ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الِاسْتِعْمَالُ قَبْلَ الرَّهْنِ، أَمَّا بَعْدَ فِكَاكِهِ فَلَيْسَ ثَمَّةَ تَحْصِيلُ مَقْصُودِ الْآمِرِ فَلَا يَكُونُ دَافِعًا لِمَا يَرِدُ مِنْ صُورَةِ الْمُسْتَعِيرِ فِي غَيْرِ الرَّهْنِ. وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ ثَمَّ الرَّدُّ إلَى نَائِبِ الْمُعِيرِ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ نَفْسُهُ قَدْ وُجِدَ، لِأَنَّ الرَّاهِنَ الَّذِي هُوَ الْمُسْتَعِيرُ بَعْدَ الْفِكَاكِ مُودَعٌ وَالْمُودَعُ يَبْرَأُ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ. فَالْعَوْدُ إلَى الْوِفَاقِ قَبْلَ الرَّهْنِ كَأَنَّهُ رَدَّ إلَى صَاحِبِهِ حُكْمًا وَبَعْدَهُ إلَى نَائِبِهِ كَذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَمَّا اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ

[وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ]

قَالَ (وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ) مَعْنَاهُ وَاضِحٌ وَعَنَى بِاللَّازِمِ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَى إسْقَاطِهِ بِانْفِرَادِهِ وَبِالْمُحْتَرَمِ هُوَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مَمْنُوعًا عَنْ إبْطَالِهِ

وَقَوْلُهُ (وَالْمُرَادُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ مَا يُوجِبُ الْمَالَ) يَعْنِي أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ أَوْ مَا دُونَهَا خَطَأً أَمَّا مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ (أَمَّا الْوِفَاقِيَّةُ) يَعْنِي أَمَّا وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اتَّفَقُوا فِي حُكْمِهَا وَهِيَ أَنَّ جِنَايَةَ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ هَدَرٌ (فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ) فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَجَبَ الْكَفَنُ عَلَى مَوْلَاهُ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ هَدَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَى مَوْلَاهُ مِنْ مَالِهِ، فَإِذَا جَنَى عَلَيْهِ شَيْءٌ لَكَانَ وَاجِبًا لَهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ. وَنُوقِضَ بِالْمَغْصُوبِ إذَا جَنَى عَلَى مَالِكِهِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الضَّمَانَ.

وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا فِي الْكِتَابِ، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ فَإِنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهَا دَمُهُ وَالْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ. يُوَضِّحُهُ أَنَّ إقْرَارَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَبِالْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>