للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَلَّ بِدُونِ الْإِدْمَاءِ، وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً وَلَمْ يَسِلْ مِنْهُ الدَّمُ قِيلَ لَا تَحِلُّ وَقِيلَ تَحِلُّ

وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ

وَإِذَا أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَ الصَّيْدِ أَوْ قَرْنَهُ، فَإِنْ أَدْمَاهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا يُؤَيِّدُ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَاهُ

قَالَ (وَإِذَا رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أُكِلَ الصَّيْدُ) لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَلَا يُؤْكَلُ الْعُضْوُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : أُكِلَ إنْ مَاتَ الصَّيْدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَانٌ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فَيَحِلُّ الْمُبَانُ وَالْمُبَانُ مِنْهُ كَمَا إذَا أُبِينَ الرَّأْسُ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمُتْ؛ لِأَنَّهُ مَا أُبِينَ بِالذَّكَاةِ

وَلَنَا قَوْلُهُ «مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ» ذِكْرُ الْحَيِّ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَالْعُضْوُ الْمُبَانُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ حَقِيقَةً لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِيهِ، وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ تُتَوَهَّمُ سَلَامَتُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ وَلِهَذَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ حَيًّا، حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَفِيهِ حَيَاةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَحْرُمُ

وَقَوْلُهُ أُبِينَ بِالذَّكَاةِ قُلْنَا حَالَ وُقُوعِهِ لَمْ يَقَعْ ذَكَاةً لِبَقَاءِ الرُّوحِ فِي الْبَاقِي، وَعِنْدَ زَوَالِهِ لَا يَظْهَرُ فِي الْمُبَانِ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ فِيهِ، وَلَا تَبَعِيَّةَ لِزَوَالِهَا بِالِانْفِصَالِ فَصَارَ هَذَا الْحَرْفُ هُوَ الْأَصْلَ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْ الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا يَحِلُّ، وَالْمُبَانُ مِنْ الْحَيِّ صُورَةً لَا حُكْمًا يَحِلُّ وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْقَى فِي الْمُبَانِ مِنْهُ حَيَاةٌ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ

لِاحْتِمَالِ أَنَّ قَتْلَهُ بِثِقَلِهِ، وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا وَبِهِ حِدَةٌ أُكِلَ. وَالْمَرْوَةُ: حَجَرٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ كَالسِّكِّينِ يُذْبَحُ بِهِ، وَاَللَّهُمَّ يُسْتَعْمَلُ عَقِيبَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى عَزِيزًا نَادِرًا إيذَانًا بِأَنَّهُ بَلَغَ فِي النُّدْرَةِ حَدَّ الشُّذُوذِ. وَقَوْلُهُ (قِيلَ لَا يَحِلُّ) هُوَ قَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الدَّمَ النَّجِسَ لَمْ يَسِلْ فَلَا يَكُونُ بِمَعْنَى الذَّبْحِ. وَقِيلَ يَحِلُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ لِوُجُودِ الذَّكَاةِ بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَالدَّمُ قَدْ يُحْتَبَسُ لِغِلَظِهِ أَوْ لِضِيقِ الْمَنْفَذِ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا يُؤَيِّدُ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَاهُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ فَإِنَّهُ شَرَطَ سَيَلَانَ الدَّمِ.

قَالَ (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا إلَخْ) إذَا قَطَعَ بِالرَّمْيِ عُضْوًا مِنْ الصَّيْدِ أُكِلَ الصَّيْدُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الرَّمْيَ مَعَ الْجَرْحِ مُبِيحٌ وَقَدْ وُجِدَ، وَلَا يُؤْكَلُ الْعُضْوُ إنْ أَمْكَنَ حَيَاتُهُ بَعْدَ الْإِبَانَةِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَكْلًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إنْ مَاتَ الصَّيْدُ مِنْهُ أُكِلَ لِأَنَّهُ مُبَانٌ بِذَكَاةِ

الِاضْطِرَارِ

وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ حَلَّ الْمُبَانُ (وَالْمُبَانُ مِنْهُ كَمَا إذَا أُبِينَ الرَّأْسُ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ قَطْعَ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ فِي ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ كَقَطْعِ الرَّأْسِ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ، وَالرَّأْسُ يُؤْكَلُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ فَكَذَا الْعُضْوُ الْمُبَانُ فِي ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ وَلَنَا قَوْلُهُ «مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْحَيَّ مُطْلَقًا، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْفَرْدِ الْكَامِلِ، وَالْكَامِلُ هُوَ الْحَيُّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَالْعُضْوُ الْمُبَانُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ: يَعْنِي أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، أَمَّا حَقِيقَةً فَلِقِيَامِ الْحَيَاةِ بِهِ، وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ حَيَاتُهُ بَعْدَ إبَانَةِ هَذَا الْعُضْوِ، وَلِهَذَا: أَيْ وَلِكَوْنِهِ حَيًّا حُكْمًا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَفِيهِ حَيَاةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يُؤْكَلْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ بِوُقُوعِهِ فِي الْمَاءِ.

وَقَوْلُهُ (أُبِينَ بِالذَّكَاةِ) ذَكَرَهُ لِيُجِيبَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ قُلْنَا وَتَقْرِيرُهُ سَلَّمْنَا أَنَّ مَا أُبِينَ بِالذَّكَاةِ يُؤْكَلُ وَلَكِنْ لَا ذَكَاةَ هَاهُنَا لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ وَهُوَ إبَانَةُ الْعُضْوِ

<<  <  ج: ص:  >  >>