للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخبرنى أبو الحسن على بن هارون، قال: ابتدأ إسحاق فى قصيدته التى امتدح فيها الواثق بقوله:

ضنّت سعاد غداة البين بالزاد ... وأخلفتك فما توفى بميعاد [١٧٧]

وما أعجب أمر إسحاق فى هذا الابتداء واستجازته أخذه إياه نقلا، مع علمه بقبيح ما فى السرق الذى هذه سبيله. قال الأحوص:

ضنّت سعاد غداة البين بالزاد ... وآثرت حاجة الثاوى على الغادى

قال الشيخ أبو عبيد الله المرزبانى رحمه الله تعالى: هكذا قال أبو الحسن؛ والرواية المشهورة الصحيحة فى بيت الأحوص:

ضنّت عقيلة لما جئت بالزاد

أخبرنى محمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن العباس اليزيدى، قال: حدثنى عمى، عن أخيه أحمد بن محمد اليزيدى، قال: لما فرغ المعتصم من بناء قصره بالميدان- وهو القصر الذى كان للعباسة- جلس فيه، وجمع أهل بيته وأصحابه، وأمر أن يلبس الناس كلهم الديباج، وجعل سريره فى الإيوان المنقوش بالفسافسا «٣٩» الذى كان فى صدره صورة عنقاء، فجلس على سرير مرصّع بأنواع الجوهر، على رأسه التاج الذى فيه الدرة اليتيمة، وفى الإيوان أسرّة أبنوس عن يمينه ويساره من حدّ السرير الذى عليه المعتصم إلى باب الإيوان؛ فكلما دخل رجل رتّبه هو بنفسه فى الموضع الذى يراه. فما رأى الناس أحسن من ذلك اليوم. فاستأذنه إسحاق بن إبراهيم الموصلى فى النشيد، فأذن له؛ فأنشده شعرا ما سمع الناس أحسن منه فى صفته وصفة المجلس، إلّا أنّ أوّله نسيب بالديار القديمة وبقية آثارها، فكان أول بيت منها:

يا دار غيّرك البلى فمحاك ... يا ليت شعرى ما الذى أبلاك

فتطيّر المعتصم، وتغامز الناس، وعجبوا كيف ذهب هذا على إسحاق مع فهمه وعلمه وطول خدمته للملوك. فأقمنا يوما وانصرفنا، فما عاد منا اثنان إلى ذلك المجلس، وخرج المعتصم إلى سرّ من رأى وخرب القصر.

<<  <   >  >>