للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى أن انتهى العرض إلى هذا البيت «٣» :

وكأن الأيام أوثر بالحس ... ن عليها يوم «٤» المهرجان الكبير

فقال له أبو الحسن ابن عمى- وقد اعتبرت النسخ الحاضرة فكانت متفقة على هذا البيت المكسور، لأنه يزيد سببا وهو الواو والياء من يوم- فقال أبو الحسن: يا أبا الغوث، ألا ترى إلى هذا الغلط على أبى عبادة الذى لا يتّهم بمثله، وقد أجمعت النسخ عليه.

فقال: هكذا قال الشيخ. فأقبل عليه عمى يبين له موضع الكسر، ويقطعه له، ويزنه بالبيت الذى قبله والبيت الذى بعده، وهو غير مستنكر له بذوقه، وسامه عمّى تغييره، فأبى ذلك، وقال: أغيّر شعر الشيخ؟ فقال عمى: هذا رجل قد وجب له علينا حق، وسار له فينا مدح، ويلزمنا تغيير هذا الكسر حتى لا يعاب به. فغضب حتى ظهر فيه الغضب ظهورا لم يستحسن عمى معه أن يزيد فى الكلام.

أخبرنى محمد بن يحيى «٥» ، قال: كنّا يوما عند أبى على الحسين بن فهم، فجرى ذكر أبى تمام، فسأله رجل: أيما أشعر أبو تمام أو البحترى؟ فقال: سمعت بعض العلماء بالشعر- ولم يسمّه- وسئل عن هذا فقال: كيف يقاس البحترى بأبى تمام؛ وهو به، وكلامه منه؛ وليس أبو تمام بالبحترى، ولا يلتفت إليه «٦» .

أخبرنى الصولى، قال: حدثنى الحسين بن إسحاق، قال: قلت للبحترى: الناس يزعمون أنك أشعر من أبى تمام. فقال: والله ما ينفعنى هذا القول، ولا يضرّ أبا تمام؛ والله ما أكلت الخبز إلا به، ولوددت أن الأمر كما قالوه، ولكنى والله تابع له، لائذ به، آخذ منه، نسيمى يركد عند هوائه، وأرضى تنخفض عند سمائه.

قال الصّولى: وهذا [١٩٩] من فضل البحترى أن يعرف الحقّ، ويقرّ به، ويذعن له. وإنى لأراه يتّبع أبا تمام فى معانيه حتى يستعير مع ذلك بعض لفظه، فلا يقع إلا دونه، ويعود فى بعضها طبعه تكلفا وسهله صعبا.

<<  <   >  >>