للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجملة الخامسة (في ذكر بطاركة الإسكندريّة، الذين عن توليتهم تنشأ ولاية ملوك الحبشة)

اعلم أنه قد تقدّم في المقالة الأولى في الكلام على ما يحتاج إليه الكاتب عند ذكر النحل والملل أن البطاركة عند النّصارى عبارة عن خلفاء الحواريّين الذين هم أصحاب المسيح عليه السّلام، وأنه كان لهم في القديم أربعة كراسيّ: كرسيّ برومية: قاعدة الروم، وكرسيّ بالإسكندرية من الديار المصرية، وكرسيّ بأنطاكية: قاعدة العواصم من بلاد الشام، وكرسيّ ببيت المقدس. وأن كرسيّ رومية قد صار لطائفة الملكانيّة وبه بطركهم المعبّر عنه بالبابا إلى الآن. وكرسيّ الإسكندرية قد صار آخرا لبطرك اليعاقبة تحت ذمّة المسلمين بالديار المصرية من لدن الفتح الإسلاميّ وهلمّ جرّا إلى زماننا. وأن كرسيّ بيت المقدس وكرسيّ أنطاكية قد بطلا باستيلاء دين الإسلام عليهما. ثم كرسيّ الإسكندرية بعد مصيره إلى اليعاقبة قد تبع البطرك القائم به على مذهب اليعاقبة الحبشة والنّوبة وسائر متنصّرة السّودان، وصار لديهم كالخليفة على دين النصرانية عندهم، يتصرّف فيهم بالولاية والعزل، لا تصحّ ولاية ملك منهم إلا بتوليته، حتّى قال في «التعريف» في الكلام على مكاتبة ملك الحبشة: ولولا أنّ معتقد دين النصرانية لطائفة اليعاقبة أنه لا يصحّ تعمّد معموديّ إلّا باتّصال من البطريرك، وأن كرسيّ البطريرك كنيسة الإسكندرية، فيحتاج إلى أخذ مطران [بعد مطران] «١» من عنده، وإلا كان شمخ بأنفه على المكاتبة، لكنه مضطرّ إلى ذلك. قال: ولأوامر البطريرك عنده ما لشريعته من الحرمة، وإذا كتب إليه كتابا فأتى ذلك الكتاب إلى أوّل مملكته، خرج عميد تلك الأرض فحمل الكتاب على رأس علم، ولا يزال يحمله بيده حتّى يخرجه من أرضه وأرباب الدولة في تلك الأرض كالقسوس والشّمامسة حوله مشاة بالأدخنة، فإذا خرجوا من حدّ أرضهم تلقّاهم من يليهم أبدا كذلك في كل أرض

<<  <  ج: ص:  >  >>