للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل كان على البريد المحرّر أو كانت مقاديره متفاوتة كما هو الآن؟. ثم قال:

ولا أظنّه إلا على القدر المحرّر، إذ كانت حكمتهم تأبى إلّا ذلك.

وأمّا في الإسلام فقد ذكر أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» : أنّ أوّل من وضعه في الإسلام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. قال في «التعريف» : وذلك حين استقرّت له الخلافة، ومات أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه، وسلّم له ابنه الحسن عليه السّلام، وخلا من المنازع، فوضع البريد لتسرع إليه أخبار بلاده من جميع أطرافها، فأمر بإحضار رجال من دهاقين الفرس وأهل أعمال الرّوم وعرّفهم ما يريد، فوضعوا له البريد. قال:

وقيل: إنما فعل ذلك زمن عبد الملك بن مروان حين خلا وجهه من الخوارج عليه: كعمرو بن سعيد الأشدق، وعبد الله بن الزّبير، ومصعب بن الزبير، والمختار بن أبي عبيد.

والذي ذكره العسكريّ: أن عبد الملك إنما أحكمه. وذكر عنه أنه قال لابن الدغيدغة: ولّيتك ما حضر بابي إلا أربعة: المؤذّن، فإنه داعي الله تعالى فلا حجاب عليه، وطارق اللّيل، فشرّ ما أتى به ولو وجد خيرا لنام، والبريد، فمتى جاء من ليل أو نهار فلا تحجبه، فربّما أفسد على القوم سنة حبسهم البريد ساعة، والطّعام إذا أدرك، فافتح الباب وارفع الحجاب وخلّ بين الناس وبين الدخول. ثم قال: ويذكر هذا الكلام عن زياد أيضا.

قال في «التعريف» : وكان الوليد بن عبد الملك يحمل عليه الفسيفساء وهي الفصّ المذهب من القسطنطينيّة إلى دمشق، حتى صفّح منه حيطان المسجد الجامع بها، ومساجد مكّة والمدينة والقدس.

قال: ثم لم يزل البريد قائما، والعمل عليه دائما، حتى آن لبناء الدّولة المروانيّة أن ينتقض، ولحبلها أن ينتكث، فانقطع ما بين خراسان والعراق، لانصراف الوجوه إلى الشّيعة القائمة بالدّولة العبّاسيّة. ودام الأمر على ذلك حتّى انقضت أيام مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة، وملك السّفّاح، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>