للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن يكتفي بها عن غيرها من جميع الألفاظ المنثورة والمنظومة؛ وقد كانت العرب الأول في الزمن القديم تتحاشى اللفظ الغريب في نظمها ونثرها، وتميل إلى السهل وتستعذبه؛ ويكفي من ذلك كلام قبيصة بن نعيم لما قدم على امريء القيس في أشياخ بني أسد يسألونه العفو عن دم أبيه، فقال له: «إنك في المحلّ والقدر من المعرفة بتصرّف الدّهر وما تحدثه أيّامه، وتنتقل به أحواله، بحيث لا تحتاج إلا تذكير من واعظ، ولا تبصير من مجرّب؛ ولك من سودد منصبك، وشرف أعراقك، وكرم أصلك في العرب محتد يحتمل ما حمّل عليه من إقالة العثرة ورجوع عن الهفوة؛ ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلا رجعت إليك فوجدت عندك من فضيلة الرأي، وبصيرة الفهم، وكرم الصّفح، ما يطوّل رغباتها، ويستغرق طلباتها، وقد كان الذي كان من الخطب الجليل، الذي عمّت رزيّته نزارا واليمن، ولم تخصص بذلك كندة دوننا للشرف البارع الذي كان لحجر؛ ولو كان يفدى هالك بالأنفس الباقية بعده لما بخلت كرائمنا بها على مثله، ولكنه مضى به سبيل لا يرجع أخراه على أولاه، ولا يلحق أقصاه أدناه؛ فأحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال ثلاث: إما أن اخترت من بني أسد أشرفها بيتا، وأعلاها في بناء المكرمات صوتا، فقدناه إليك بنسعة «١» تذهب مع شفرات حسامك بباقي قصرته «٢» فنقول: رجل امتحن بهالك عزيز فلم يستلّ سخيمته «٣» إلا تمكينه من الانتقام؛ أو فداء بما يروح على بني أسد من نعمها، فهي ألوف تجاوز الحسبة، فكان ذلك فداء رجعت به القضب «٤» إلى أجفانها، لم يرددها تسليط الإحن على البرآء؛ وإما أن وادعتنا إلى أن تضع الحوامل فتسدل الأزر وتعقد الخمر فوق الرايات» .

فبكى امرؤ القيس ساعة، ثم رفع رأسه فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>