للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم أرسل إلى أحبار النصارى وبعض تجارهم وأدخلني في بيت قريب من مجلسه، فلما دخل النصارى عليه قال لهم: ما تقولون في هذا القسيس الجديد الذي قدم في هذا المركب؟ قالوا له: يا مولانا هذا عالم كبير في ديننا، وقالت شيوخنا: إنهم ما رأوا أعلى من درجته في العلم والدين في ديننا، فقال لهم: وما تقولون فيه إذا أسلم؟ قالوا: نعوذ بالله من ذلك هو ما يفعل ذلك أبداً. فلما سمع ما عند النصارى بعث إليّ، فحضرت بين يديه (وشهدت) شهادتي الحق بمحضر النصارى، فصلّبوا على وجوههم، وقالوا: ما حمله على هذا إلا حب التزويج، فإن القسيس عندنا لا يتزوج. وخرجوا مكروبين محزونين، فرتب لي السلطان - رحمه الله - ربع دينار كل يوم في دار المختص، وزوجني ابنة الحاج محمد الصفار، فلما عزمت على البناء بها، أعطاني مائة دينار ذهباً وكسوة جيده كاملة، فبنيت بها، وولد لي منها ولد سميته محمد على وجه التبرك باسم نبينا (١) (.

[المطلب الثاني: شهادة المنصفين:]

الكثير من المخالفين لديننا -سواء كانوا أهل كتاب أو ملاحدة- شهدوا لنبينا (بالصدق وأنه نبي من الله حقا، وبعضهم أسلم، وبعضهم لم يسلم ولكنه أنصف، وإذا كان المخالف المتربص المتصيد للأخطاء أقر بصحة مذهب خصمه، فإن هذا من أقوى الأدلة على صدق النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد قيل سابقا:

وشمائلُ شَهِدَ العَدُوُ بفضِلها والفضلُ ما شَهِدَتْ به الأعْدَاءُ

وقيل:

ما قولُ مولانا الإمامُ البدرُ مَن بعلومِه شهد العدوُ الحاسدُ

وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأحقاف:١٠]؛ قال القرطبي: (قال ابن عباس والحسن وعكرمة وقتادة ومجاهد: هو عبد الله بن سلام، شهد على اليهود أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مذكور في التوراة، وأنه نبي من عند الله، وفي الترمذي عنه: نزلتْ فيَّ آيات من كتاب الله؛ نزلت في: (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين (.

ولما جاء ابن سلام مسلما من قبل أن تعلم اليهود بإسلامه قال: يا رسول الله, اجعلني حكما بينك وبين اليهود, فسألهم عنه: «أي رجل هو فيكم». قالوا: سيدنا وعالمنا. فقال: «إنه قد آمن بي»، فأساءوا القول فيه (٢).


(١) كتاب تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب لأبي محمد عبد الله الميورقي الترجمان (ص:٦١ - ٧٦)، طبعته دار البشائر، بيروت، الطبعة الأولي، ١٩٨٨ (بتصرف).
(٢) الجامع لأحكام القرآن (١٦/ ١٢٥) بتصرف

<<  <   >  >>