للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورحمته أن يكفلهم الشريعة، ويكلفهم حفظها وتبليغها، في حدود ما يتيسر لهم. وتكفل سبحانه أن يرعاها بقدره ليتم ماأرده لها من الحفظ إلى قيام الساعة. وقد تقدم شيء من بيان التيسير ص٢٠و٢١و٢٢. ومن تدبر الأحاديث في إنزال القرآن على سبعة أحرف وما اتصل بذلك، بان له أن الله تعالى أنزل القرآن على حرف هو الأصل، ثم تكرر تعليم جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم لتمام سبعة أحرف، وهذه الأحرف الستة الزائدة عبارة عن أنواع من المخالفة في بعض الألفاظ للفظ الحرف الأول بدون اختلاف في المعنى (١) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه فيكون بين ما يلقنه ذا وما لقنه ذاك شيء من ذاك الاختلاف في اللفظ، فحفظ أصحابه كل بما لقن، وضبطوا ذلك في صدورهم ولقنوه الناس، ورفع الحرج مع ذلك عن المسلمين، فكان بعضهم ربما تلتبس عليه كلمة مما يحفظه أو يشق عليه النطق بها فيكون له أن يقرأ بمرادفها. فمن ذلك ماكان يوافق حرفاً آخر ومنه ما لا يوافق، ولكنه لا يخرج عن ذاك القبيل، وفي فتح الباري «ثبت عن غير واحد من الصحابة أنه كان يقرأ بالمرادف ولو لم يكن مسموعاً له» . فهذا ضرب محدود من القراءة بالمعنى رخص فيه لأولئك وكتب القرآن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في قطع من الجريد وغيره وتكون في القطعة الآية والآيتان أو أكثر، وكان رسم الخط يومئذ يحتمل - والله أعلم - غالب الاختلافات التي في الأحرف السبعة، إذ لم يكن له شكل ولا نقط، وكانت تحذف فيه كثير من الألفات ونحو ذلك كما تراه في رسم المصحف، وبذلك الرسم عينه نقل ما في تلك القطع إلى صحف في عهد أبي بكر، وبه كتبت المصاحف في عهد عثمان، ثم صار على الناس أن يضبطوا قراءتهم، بأن يجتمع فيها الأمران: النقل الثابت بالسماع من النبي صلى الله عليه وسلم، واحتمال رسم المصاحف العثمانية.


(١) المراد بالاختلاف في المعنى هو الاختلاف المذكور في قول الله تعالى ((ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا)) فأما أن يدل أحد الحرفين على معنى والآخر على معنى آخر وكلا المعنيين معاً حق. فليس باختلاف بهذا المعنى

<<  <   >  >>