للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤمنون ورب الكعبة (١) وقال صلى الله عليه وسلم في الصبر على ما تكره خير كثير (٢) وقال المسيح عليه السلام إنكم لا تدركون ما تحبون إلا بصبركم على ما تكرهون وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو كان الصبر رجلاً لكان كريماً والله يحب الصابرين (٣) والأخبار في هذا لا تحصى

وأما الآثار فقد وجد في رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري عليك بالصبر واعلم أن الصبر صبران أحدهما أفضل من الآخر الصبر في المصيبات حسن وأفضل منه الصبر عما حرم الله تعالى واعلم أن الصبر ملاك الإيمان وذلك بأن التقوى أفضل البر والتقوى بالصبر وقال علي كرم الله وجهه بني الإيمان على أربع دعائم اليقين والصبر والجهاد والعدل وقال أيضاً الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا جسد لمن لا رأس له ولا إيمان لمن لا صبر له وكان عمر رضي الله عنه يقول نعم العدلان ونعمت العلاوة للصابرين يعني بالعدلين الصلاة والرحمة وبالعلاوة الهدى والعلاوة ما يحمل فوق العدلين على البعير وأشار به إلى قوله تَعَالَى {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وأولئك هم المهتدون} وكان حبيب بن أبي حبيب إذا قرأ هذه الآية إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب بكى وقال واعجباه أعطى وأثنى أي هو المعطي للصبر وهو المثني وقال أبو الدرداء ذروة الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر هذا بيان فضيلة الصبر من حيث النقل وأما من حيث النظر بعين الاعتبار فلا تفهمه إلا بعد فهم حقيقة الصبر ومعناه إذ معرفة الفضيلة والرتبة معرفة صفة فلا تحصل قبل معرفة الموصوف فلنذكر حقيقته ومعناه وبالله التوفيق

[بيان حقيقة الصبر ومعناه]

اعلم أن الصبر مقام من مقامات الدين ومنزل من منازل السالكين وجميع مقامات الدين إنما تنتظم من ثلاثة أمور معارف وأحوال وأعمال فالمعارف هي الأصول وهي تورث الأحوال والأحوال تثمر الأعمال فالمعارف كالأشجار والأحوال كالأغصان والأعمال كالثمار وهذا مطرد في جميع منازل السالكين إلى الله تعالى واسم الإيمان تارة يختص بالمعارف وتارة يطلق على الكل كما ذكرناه في اختلاف اسم الإيمان والإسلام في كتاب قواعد العقائد وكذلك الصبر لا يتم إلا بمعرفة سابقة وبحالة قائمة فالصبر على التحقيق عبارة عنها والعمل هو كالثمرة يصدر عنها ولا يعرف هذا إلا بمعرفة كيفية الترتيب بين الملائكة والإنس والبهائم فإن الصبر خاصية الإنس ولا يتصور ذلك في البهائم والملائكة أما في البهائم فلنقصانها وأما في الملائكة فلكمالها

وبيانه أن البهائم سلطت عليها الشهوات وصارت مسخرة لها فلا باعث لها على الحركة والسكون إلا الشهوة وليس فيها قوة تصادم الشهوة وتردها عن مقتضاها حتى يسمى ثبات تلك القوة في مقابلة مقتضى الشهوة صبراً

وأما الملائكة عليهم السلام فإنهم جردوا للشوق إلى حضرة الربوبية والابتهاج بدرجة القرب منها ولم تسلط عليهم شهوة صارفة صادة عنها حتى يحتاج إلى مصادمة ما يصرفها عن حضرة الجلال بجند آخر يغلب الصوارف

وأما الإنسان فإنه خلق في ابتداء الصبا ناقصاً مثل البهيمة لم يخلق فيه إلا شهوة الغذاء الذي هو محتاج إليه ثم تظهر فيه شهوة اللعب والزينة ثم شهوة النكاح على الترتيب وليس له قوة الصبر البتة إذ الصبر عبارة عن


(١) حديث عطاء عن ابن عباس دخل على الأنصار فقال أمؤمنون أنتم فسكتوا فقال عمر نعم يا رسول الله الحديث أخرجه الطبرانى فى الأوسط من رواية يوسف بن ميمون وهو منكر الحديث عن عطاء
(٢) حديث في الصبر على ما تكره خير كثير أخرجه الترمذى من حديث ابن عباس وقد تقدم
(٣) حديث لو كان الصبر رجلاً لكان كريما أخرجه الطبراني من حديث عائشة وفيه صبيح بن دينار ضعفه العقيلى

<<  <  ج: ص:  >  >>