للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدي الولدان إلى الجنة فقلت يا لها من فرحة

وفي الخبر أن رجلاً من بني إسرائيل كان يقنط الناس ويشدد عليهم قال فيقل له الله تعالى يوم القيامة اليوم أويسك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي منها (١) وقال صلى الله عليه وسلم إن رجلاً يدخل النار فيمكث فيها ألف سنة ينادي يا حنان يا منان فيقول الله تعالى لجبريل اذهب فائتني بعبدي قال فيجيء به فيوقفه على ربه فيقول الله تعالى كيف وجدت مكانك فيقول شر مكان قال فيقول رذوه إلى مكانه قال فيمشي ويلتفت إلى ورائه فيقول الله عز وجل إلى أي شيء تلتفت فيقول لقد رجوت أن لا تعيدني إليها بعد إذ أخرجتني منها فيقول الله تعالى اذهبوا به إلى الجنة (٢) فدل هذا على أن رجاءه كان سبب نجاته نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه

[بيان دواء الرجاء والسبيل الذي يحصل منه حال الرجاء ويغلب]

اعلم أن هذا الدواء يحتاج إليه أحد رجلين إما رجل غلب عليه اليأس فترك العبادة وإما رجل غلب عليه الخوف فأسرف في المواظبة على العبادة حتى أضر بنفسه وأهله وهذان رجلان مائلان عن الاعتدال إلى طرفي الإفراط والتفريط فيحتاجان إلى علاج يردهما إلى الاعتدال فأما العاصي المغرور المتمني على الله مع الإعراض عن العبادة واقتحام المعاصي فأدوية الرجاء تنقلب سموماً مهلكة في حقه وتنزل منزلة العسل الذي هو شفاء لمن غلب عليه البرد وهم سم مهلك لمن غلب عليه الحرارة بل المغرور لا يستعمل في حقه إلا أدوية الخوف والأسباب المهيجة له فلهذا يجب أن يكون واعظ الخلق متلطفاً ناظراً إلى مواقع العلل معالجاً لكل علة بما يضادها لا بما يزيد فيها فإن المطلوب هو العدل والقصد في الصفات والأخلاق كلها وخير الأمور أوساطها فإذا جاوز الوسط إلى أحد الطرفين عولج بما يرده إلى الوسط لا بما يزيد في ميله عن الوسط وهذا الزمان زمان لا ينبغي أن يستعمل فيه مع الخلق أسباب الرجاء بل المبالغة في التخويف أيضاً تكاد أن لا تردهم إلى جادة الحق وسنن الصواب فأما ذكر أسباب الرجاء فيهلكهم ويرديهم بالكلية ولكنها لما كانت أخف على القلوب وألذ عند النفوس ولم يكن غرض الوعاظ إلا استمالة القلوب واستنطاق الخلق بالثناء كيفما كانوا مالوا إلى الرجاء حتى ازداد الفساد فساداً وازداد المنهمكون في طغيانهم تمادياً

قال علي كرم الله وجهه إنما العالم الذي لا يقنط الناس من رحمة الله تعالى ولا يؤمنهم من مكر الله

ونحن نذكر اساب الرجاء لتستعمل في حق الآيس أو فيمن غلب عليه الخوف اقتداءً بكتاب اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فإنهما مشتملان على الخوف والرجاء جميعاً لأنهما جامعان لأسباب الشفاء في حق أصناف المرضى ليستعمله العلماء الذين هم ورثة الأنبياء بحسب الحاجة استعمال الطبيب الحاذق لا استعمال الأخرق الذي يظن أن كل شيى من الأدوية صالح لكل مريض كيفما كان

وحال الرجاء يغلب بشيئين أحدهما الاعتبار والآخر استقراء الآيات والأخبار والآثار

أما الاعتبار فهو أن يتأمل جميع ما ذكرناه في أصناف النعم من كتاب الشكر حتى إذا علم لطائف نعم الله تعالى لعباده في الدنيا وعجائب حكمه التي راعاها في فطرة الإنسان حتى أعد له في الدنيا كل ما هو ضروري له في دوام


(١) حديث أن رجلاً من بني إسرائيل كان يقنط الناس ويشدد عليهم الحديث رواه البيهقي في الشعب عن زيد بن أسلم فذكره مقطوعا
(٢) حديث إن رجلاً يدخل النار فينكث فيها ألف سنة ينادي يا حنان يا منان الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب حسن الظن بالله والبيهقي في الشعب وضعفه من حديث أنس

<<  <  ج: ص:  >  >>