للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن لو أخذه أن يخدعه المال ويقيد قلبه فيدعوه إلى الشهوات وهذا حال الضعفاء فلا جرم البغض للمال والهرب منه في حقهم كمال وهذا حكم جميع الخلق لأن كلهم ضعفاء إلا الأنبياء والأولياء وإما أن ينقل عن قوي بلغ الكمال ولكن أظهر الفرار والنفارنزولا إلى درجة الضعفاء ليقتدوا به في الترك إذ لو اقتدوا به في الأخذ لهلكوا كما يفر الرجل المعزم بين يدي أولاده من الحية لا لضعفه عن أخذها ولكن لعلمه أنه لو أخذها أخذها أولاده إذا رأوها فيهلكون والسير بسير الضعفاء ضرورة الأنبياء والأولياء والعلماء فقد عرفت إذن أن المراتب ست وأعلاها رتبة المستغني ثم الزاهد ثم الراضي ثم القانع ثم الحريص وأما المضطر فيتصور في حقه أيضاً الزهد والرضا والقناعة ودرجة تختلف بحسب اختلاف هذه الأحوال واسم الفقير يطلق على هذه الخمسة أما تسمية المستغني فقيراً فلا وجه لها بهذا المعنى بل إن سمي فقيراً فبمعنى آخر وهو معرفته بكونه محتاجاً إلى الله تعالى في جميع أموره عامة وفي بقاء استغنائه عن المال خاصة فيكون اسم الفقير له كاسم العبد لمن عرف نفسه بالعبودية وأقر بها فإنه أحق باسم العبد من الغافلين وإن كان اسم العبد عاماً للخلق فكذلك اسم الفقير عام ومن عرف نفسه بالفقر إلى الله تعالى فهو أحق باسم الفقير فاسم الفقير مشترك بين هذين المعنيين وإذا عرفت هذا الاشتراك فهمت أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أعوذ بك من الفقر (١) وقوله عليه السلام كاد الفقر أن يكون كفراً (٢) لا يناقض قوله أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً (٣) إذ فقر المضطر هو الذي استعاذ منه والفقر الذي هو الاعتراف بالمسكنة والذلة والافتقار إلى الله تعالى هو الذي سأله في دعائه صلى الله عليه وسلم وعلى كل عبد مصطفى من أهل الأرض والسماء

بيان فضيلة الفقر مطلقاً

أما من الآيات فيدل عليه قوله تعالى {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} الآية وقال تعالى {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض} ساق الكلام في معرض المدح ثم قدم وصفهم بالفقر على وصفهم بالهجرة والإحصار وفيه دلالة ظاهرة على مدح الفقر

وأما الأخبار في مدح الفقر فأكثر من أن تحصى روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه أي الناس خير فقالوا موسر من المال يعطي حق الله من نفسه وماله فقال نعم الرجل هذا وليس به قالوا فمن خير الناس يا رسول الله قال فقير يعطي جهده (٤) وقال صلى الله عليه وسلم لبلال الق الله فقيراً ولا تلقه غنياً (٥) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يحب الفقير المتعفف أبا العيال (٦) وفي الخبر المشهور يَدْخُلُ فُقَرَاءُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهَا بِخَمْسِمِائَةِ عام (٧) وفي حديث آخر


(١) حديث أعوذ بك من الفقر تقدم فى الأذكار والدعوات
(٢) حديث كاد الفقر أن يكون كفرا تقدم فى ذم الحسد
(٣) حديث اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً رواه الترمذى من حديث أنس وحسنه وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد وقد تقدم
(٤) حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه أي الناس خير فقالوا موسر من المال يعطي حق الله من نفسه وماله فقال نعم الرجل هذا وليس به قالوا فمن خير الناس قال فقير يعطي جهده أخرجه أبو منصور الديلمى فى مسند الفردوس بسند ضعيف مقتصرا على المرفوع منه دون سؤاله لأصحابه وسؤالهم له
(٥) حديث قال لبلال الق الله فقيراً ولا تلقه غنيا أخرجه الحاكم فى كتاب علامات أهل التحقيق من حديث بلال ورواه الطبرانى من حديث أبي سعيد بلفظ مت فقيرا ولا تمت غنيا وكلاهما ضعيف
(٦) حديث إن يحب الفقير المتعفف أبا العيال أخرجه ابن ماجه من حديث عمران بن حصين وقد تقدم
(٧) حديث يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام أخرجه الترمذى من حديث أبي هريرة وقال حسن صحيح وقد تقدم

<<  <  ج: ص:  >  >>