للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأ الخواص قوله تعالى {وتوكل على الحي الذي لا يموت} إلى آخر فقال ما ينبغي للعبد بعدد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد غير الله تعالى

وقيل لبعض العلماء في منامه من وثق بالله تعالى فقد أحرز قوته وقال بعض العلماء لا يشغلك المضمون لك من الرزق عن المفروض عليك من العمل فتضيع أمر آخرتك ولا تنال من الدنيا إلا ما قد كتب الله لك

وقال يحيى بن معاذ في وجود العبد الرزق من غير طلب دلالة على أن الرزق مأمور بطلب العبد

وقال إبراهيم بن أدهم سألت بعض الرهبان من أين تأكل فقال لي ليس هذا العلم عندي ولكن سل ربي من أين يطعمني

وقال هرم بن حيان لأويس القرني أين تأمرني أن أكون فأومأ إلى الشام قال هرم كيف المعيشة قال أويس أف لهذه القلوب قد خالطها الشك فما تنفعها الموعظة

وقال بعضهم متى رضيت بالله وكيلاً وجدت إلى كل خير سبيلا ونسأل الله تعالى حسن الأدب

الشطر الأول

في التوحيد

[بيان حقيقة التوحيد الذي هو أصل التوكل]

اعلم أن التوكل من باب الإيمان وجميع أبواب الإيمان لا تنتظم إلا بعلم وحال وعمل والتوكل كذلك ينتظم من علم هو الأصل وعمل هو الثمرة وحال هو المراد باسم التوكل

فلنبدأ ببيان العلم الذي هو الأصل وهو المسمى إيماناً في أصل اللسان إذ الإيمان هو التصديق وكل تصديق بالقلب فهو علم وإذا قوي سمي يقيناً ولكن أبواب اليقين كثيرة ونحن إنما نحتاج منها إلى ما نبني عليه التوكل وهو التوحيد الذي يترجمه قولك لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له والإيمان بالقدرة التي يترجم عنها قولك {له الملك} والإيمان بالجود والحكمة الذي يدل عليه قولك {وله الحمد} فمن قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ على كل شيء قدير تم له الإيمان الذي هو أصل التوكل أعني أن يصير معنى هذا القول وصفاً لازماً لقلبه غالباً عليه فأما التوحيد فهو الأصل والقول فيه يطول وهو من علم المكاشفة ولكن بعض علوم المكاشفات متعلق بالأعمال بواسطة الأحوال ولا يتم علم المعاملة إلا بها فإذن لا نتعرض إلا للقدر الذي يتعلق بالمعاملة وإلا فالتوحيد هو البحر الخضم الذي لا ساحل له فنقول

للتوحيد أربع مراتب وينقسم إلى لب وإلى لب اللب وإلى قشر وإلى قشر القشر

ولنمثل ذلك تقريباً إلى الأفهام الضعيفة بالجوز في قشرته العليا فإن له قشرتين وله لب وللب دهن هو لب اللب فالرتبة الأولى من التوحيد هي أن يقول الإنسان بلسانه {لا إله إلا الله} وقلبه غافل عنه أو منكر له كتوحيد المنافقين

والثانية أن يصدق بمعنى اللفظ قلبه كما صدق به عموم المسلمين وهو اعتقاد العوام

والثالثة أن يشاهد ذلك بطريق الكشف بواسطة نور الحق وهو مقام المقربين وذلك بأن يرى أشياء كثيرة ولكن يراها على كثرتها صادرة عن الواحد القهار

والرابعة أن لا يرى في الوجود إلا واحداً وهي مشاهدة الصديقين وتسمية الصوفية الفناء في التوحيد لأنه من حيث لا يرى إلا واحداً فلا يرى نفسه أيضاً وإذا لم ير نفسه لكونه مستغرقاً بالتوحيد كان فانياً عن نفسه في توحيده بمعنى أنه فني عن رؤية نفسه والخلق فالأول موحد بمجرد اللسان ويعصم ذلك صاحبه في الدنيا عن السيف والسنان

والثاني موحد بمعنى أنه معتقد بقلبه مفهوم لفظه وقلبه خال عن التكذيب بما انعقد عليه قلبه وهو عقدة على القلب ليس فيه انشراح وانفساح ولكنه يحفظ صاحبه من العذاب في الآخرة إن توفي عليه ولم تضعف

<<  <  ج: ص:  >  >>