للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو حرام مذموم وليس النزاع فيه وليس كل غناء بدلاً عن الدين مشترى به ومضلاً عن سبيل الله تعالى وهو المراد في الآية

ولو قرأ القرآن ليضل به عن سبيل الله لكان حراماً

حكى عن بعض المنافقين أنه كان يؤم الناس ولا يقرأ إلا سورة عبس لما فيها من العتاب مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهم عمر بقتله ورأى فعله حراما لما فيه من الإضلال

فالإضلال بالشعر والغناء أولى بالتحريم

واحتجوا بقوله تعالى أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون قال ابن عباس رضي الله عنهما هو الغناء بلغة حمير يعني السمد فنقول ينبغي أن يحرم الضحك وعدم البكاء أيضاً لآن الآية تشتمل عليه

فإن قيل إن ذلك مخصوص بالضحك على المسلمين لإسلامهم فهذا أيضاً مخصوص بأشعارهم وغنائهم في معرض الاستهزاء بالمسلمين كما قال تعالى والشعراء يتبعهم الغاوون وأراد به شعراء الكفار

ولم يدل ذلك على تحريم نظم الشعر في نفسه

واحتجوا بما روى جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال كان إبليس أول من ناح وأول من تغنى (١)

فقد جمع بين النياحة والغناء قلنا لا جرم كما استثنى منه نياحة داود عليه السلام ونياحة المذنبين على خطاياهم فكذلك يستثنى الغناء الذي يراد به تحريك السرور والحزن والشوق حيث يباح تحريكه بل كما استثنى غناء الجاريتين يوم العيد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغناؤهن عند قدومه صلى الله عليه وسلم بقولهن

طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع

واحتجوا بما روى أبو إمامة عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَا رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله له شيطانين على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك (٢)

قلنا هو منزل على بعض أنواع الغناء الذي قدمناه وهو الذي يحرك من القلب ما هو مراد الشيطان من الشهوة وعشق المخلوقين فأما ما يحرك الشوق إلى الله أو السرور بالعيد أو حدوث الولد أو قدوم الغائب فهذا كله يضاد مراد الشيطان

بدليل قصة الجاريتين والحبشة والأخبار التي نقلناها من الصحاح فالتجويز في موضع واحد نص في الإباحة والمنع في ألف موضع محتمل للتأويل ومحتمل للتنزيل

أما الفعل فلا تأويل له إذ ما حرم فعله إنما يحل بعارض الإكراه فقط وما أبيح فعله يحرم بعوارض كثيرة حتى النيات والقصود

واحتجوا بما روى عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل شيء يلهو به الرجل فهو باطل إلا تأديبه فرسه ورميه بقوسه وملاعبته لامرأته (٣)

قلنا فقوله باطل لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة وقد يسلم ذلك

على أن التلهي بالنظر إلى الحبشة خارج عن هذه الثلاثة وليس بحرام بل يلحق بالمحصور غير المحصور قياساً كقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث (٤)

فإنه يلحق به رابع وخامس فكذلك ملاعبة امرأته لا فائدة له إلا التلذذ

وفي هذا دليل على أن التفرج في البساتين وسماع أصوات الطيور وأنواع المداعبات مما يلهو به الرجل لا يحرم عليه شيء منها وإن جاز وصفه بأنه باطل


(١) حديث جابر كان إبليس أول من ناح وأول من تغنى لم أجد له أصلا من حديث جابر وذكره صاحب الفردوس من حديث علي بن أبي طالب ولم يخرجه ولده في مسنده
(٢) حديث أبي أمامة ما رفع أحد عقيرته بغناء إلا بعث الله له شيطانين على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والطبراني في الكبير وهو ضعيف
(٣) حديث عقبة بن عامر كل شيء يلهو به الرجل فهو باطل إلا تأديبه فرسه ورميه بقوسه وملاعبته زوجته أخرجه أصحاب السنن الأربعة وفيه اضطراب
(٤) حديث لا يحل دم امرئ إلا بإحدى ثلاث متفق عليه من حديث ابن مسعود

<<  <  ج: ص:  >  >>