للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضَّرُورَةُ التَّرْدِيدَ فِي اسْتِعْمَالِهِ بَلْ يَكُونُ مَعْنَى الضَّرُورَةِ أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى الْمَجَازِيِّ فَهَذِهِ الضَّرُورَةُ لَا تُنَافِي الْعُمُومَ بَلْ الْعُمُومُ إنَّمَا يَثْبُتُ إنْ اسْتَعْمَلَهُ الْمُتَكَلِّمُ وَأَرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الْعَامَّ وَلَا مَانِعَ لِهَذَا لِأَنَّهُ مَا وُجِدَ فِي الِاسْتِعْمَالِ ضَرُورَةٌ (وَهُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْكَلَامِ بَلْ فِيهِ مِنْ الْبَلَاغَةِ مَا لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ وَهُوَ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى كَثِيرٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف: ٧٧] وقَوْله تَعَالَى {لَمَّا طَغَى الْمَاءُ} [الحاقة: ١١] وَاَللَّهُ مُتَعَالٍ عَنْ الْعَجْزِ وَالضَّرُورَاتِ نَظِيرُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلَا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ» وَقَدْ أُرِيدَ بِهِ الطَّعَامُ إجْمَاعًا فَلَا يَشْمَلُ غَيْرَهُ عِنْدَهُ) ذَكَرَ الصَّاعَ وَأَرَادَ بِهِ مَا فِيهِ مِنْ الطَّعَامِ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ.

ــ

[التلويح]

لِتَكُونَ اسْتِعَارَةً تَبَعِيَّةً إلَّا أَنَّ عُلَمَاءَ الْأُصُولِ يُسَمُّونَ مِثْلَهُ مَجَازًا كَمَا هُوَ مُصْطَلَحُ بَعْضِ أَهْلِ الْبَيَانِ، وَنَحْنُ نَقُولُ هُوَ اسْتِعَارَةٌ بِتَفْسِيرِ الْجُمْهُورِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي الْمُشَبَّهِ الْمَتْرُوكِ، وَهُوَ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ لَا فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ لِيَفْتَقِرَ إلَى تَقْدِيرِ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ زَيْدٌ أَسَدٌ عَلَى أَيِّ مُجْتَرِئٍ صَائِلٍ، وَالطَّيْرُ أَغْرِبَةٌ عَلَيْهِ أَيْ بَاكِيَةٌ، وَنَحْنُ قَدْ لَخَّصْنَا ذَلِكَ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ فَهَذَا ابْنِي مَعْنَاهُ هُوَ مُعْتَقٌ مِنْ حِينِ مَلَكْته كَالِابْنِ فَتَرَكَ الْمُشَبَّهَ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ

[مَسْأَلَةٌ لَا عُمُومَ لِلْمَجَازِ عَنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ]

(قَوْلُهُ مَسْأَلَةٌ) الْمَجَازُ الْمُقْتَرِنُ بِشَيْءٍ مِنْ أَدِلَّةِ الْعُمُومِ كَالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ وَنَحْوِهِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَعُمُّ جَمِيعَ مَا يَصْلُحُ لَهُ اللَّفْظُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ كَالْحُلُولِ وَالسَّبَبِيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا اُسْتُعْمِلَ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ الْأَنْوَاعِ كَلَفْظِ الصَّاعِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيمَا يَحِلُّهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْمَعْنَى لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ لِعُمُومِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ كَوْنِهَا مُسْتَعْمَلَةً فِي الْمَعَانِي الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ الْمَجَازِيَّةِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِأَنَّ عُمُومَ اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ لِمَا يَلْحَقُ بِهِ مِنْ الدَّلَائِلِ لَا لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ حَقِيقَةٍ عَامًّا، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَثِّرُ هُوَ الْمَجْمُوعُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَأْثِيرِ الْحَقِيقَةِ وَحْدَهَا أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا دَخْلٌ فِي التَّأْثِيرِ، وَلَوْ سَلِمَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَابِلُ هُوَ الْحَقِيقَةُ دُونَ الْمَجَازِ أَوْ يَكُونَ الْمَجَازُ مَانِعًا، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَعُمُّ حَتَّى إذَا أُرِيدَ الْمَطْعُومُ اتِّفَاقًا لَا يَثْبُتُ غَيْرُهُ مِنْ الْمَكِيلَاتِ لِأَنَّ الْمَجَازَ ضَرُورِيٌّ، وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِإِرَادَةِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ فَلَا يَثْبُتُ الْكُلُّ كَالْمُقْتَضِي، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الضَّرُورَةُ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا لِتَأْدِيَةِ الْمَعْنَى سِوَاهُ فَمَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَعْدِلَ الْمَجَازَ لِأَغْرَاضٍ سَيَذْكُرُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلِأَنَّ لِلْمُتَكَلِّمِ فِي أَدَاءِ الْمَعْنَى طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا حَقِيقَةٌ، وَالْآخَرُ مَجَازٌ يَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ بَلْ فِي طَرِيقِ الْمَجَازِ مِنْ لَطَائِفِ الِاعْتِبَارَاتِ وَمَحَاسِنِ الِاسْتِعَارَاتِ الْمُوجِبَةِ لِزِيَادَةِ الْبَلَاغَةِ فِي الْكَلَامِ أَيْ عُلُوِّ دَرَجَتِهِ وَارْتِفَاعِ طَبَقَتِهِ مَا لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلِأَنَّ الْمَجَازَ وَاقِعٌ فِي كَلَامِ مَنْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>