للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا مُنْتَهَى إقْدَامِ الطَّالِبِينَ، وَقَدْ قِيلَ: الْعَجْزُ عَنْ دَرْكِ الْإِدْرَاكِ إدْرَاكٌ

(مَسْأَلَةٌ قِيلَ: الدَّلِيلُ اللَّفْظِيُّ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى نَقْلِ اللُّغَةِ، وَالنَّحْوِ، وَالصَّرْفِ، وَعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ، وَالْمَجَازِ، وَالْإِضْمَارِ، وَالنَّقْلِ) أَيْ يَكُونُ مَنْقُولًا مِنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ إلَى مَعْنًى آخَرَ، (وَالتَّخْصِيصِ وَالتَّقْدِيمِ)

ــ

[التلويح]

لَمَّا ظَهَرَ أَهْلُ الْبِدَعِ، وَتَمَسَّكُوا بِالْمُتَشَابِهِ فِي آرَائِهِمْ الْبَاطِلَةِ اضْطَرَّ الْخَلَفُ إلَى التَّكَلُّمِ فِي الْمُتَشَابِهِ إبْطَالًا لِأَقَاوِيلِهِمْ، وَبَيَانًا لِفَسَادِ تَأْوِيلِهِمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي حَتَّى نُقِلَ تَأْوِيلُ الْمُتَشَابِهَاتِ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ، وَأَنَا مِمَّنْ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ.

وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ التَّوَقُّفَ إنَّمَا هُوَ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ حَقِيقَةً لَا ظَاهِرًا، وَالْأَئِمَّةُ إنَّمَا تَكَلَّمُوا فِي تَأْوِيلِهِ ظَاهِرًا لَا حَقِيقَةً، وَبِهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُرْفَعَ نِزَاعُ الْفَرِيقَيْنِ، وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا لَا يَخُصُّ الْمُتَشَابِهَ بَلْ أَكْثَرُ الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّهُ بَحْرٌ لَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا تَنْتَهِي غَرَائِبُهُ فَأَنَّى لِلْبَشَرِ الْغَوْصُ عَلَى لَآلِيهِ، وَالْإِحَاطَةُ بِكُنْهِ مَا فِيهِ، وَمِنْ هَاهُنَا قِيلَ: هُوَ مُعْجِزٌ بِحَسَبِ الْمَعْنَى، أَيْضًا

[مَسْأَلَةٌ الدَّلِيلُ اللَّفْظِيُّ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ]

(قَوْلُهُ مَسْأَلَةٌ) تَرْجَمَةُ هَذَا الْبَحْثِ بِالْمَسْأَلَةِ لَيْسَتْ كَمَا يَنْبَغِي، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ اللَّفْظَ يُفِيدُ الْقَطْعَ، وَجَوَابٌ عَنْهُ، تَقْرِيرُ الِاعْتِرَاضِ أَنَّ الدَّلِيلَ اللَّفْظِيَّ مَبْنِيٌّ عَلَى أُمُورٍ ظَنِّيَّةٍ، وَالْمَبْنِيُّ عَلَى الظَّنِّ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ، أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَوَقُّفِهِ عَلَى أُمُورٍ وُجُودِيَّةٍ كَنَقْلِ اللُّغَةِ لِمَعْرِفَةِ مَعَانِي الْمُفْرَدَاتِ، وَالنَّحْوِ لِمَعْرِفَةِ مَعَانِي هَيْئَاتِ التَّرَاكِيبِ، وَالصَّرْفِ لِمَعْرِفَةِ مَعَانِي هَيْئَاتِ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَلَى أُمُورٍ عَدَمِيَّةٍ كَعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ، وَالْمَجَازِ، وَنَحْوِهِمَا إذْ لَا دَلَالَةَ عَلَى تَعْيِينِ الْمَقْصُودِ مَعَ احْتِمَالِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا ظَنِّيَّاتٌ أَمَّا الْوُجُودِيَّاتُ فَلِتَوَقُّفِ قَطْعِيَّتِهَا عَلَى عِصْمَةِ الرُّوَاةِ إنْ نُقِلَتْ بِطَرِيقِ الْآحَادِ، وَإِلَّا فَعَلَى التَّوَاتُرِ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ، وَأَمَّا الْعَدَمِيَّاتُ فَلِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الِاسْتِقْرَاءِ، وَهُوَ إنَّمَا يُفِيدُ الظَّنَّ دُونَ الْقَطْعِ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِابْتِنَاءِ عَدَمِ الْمَجَازِ أَوْ عَدَمِ الْمُعَارِضِ الْعَقْلِيِّ عَلَى الِاسْتِقْرَاءِ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ بَعْضَ الدَّلَائِلِ اللَّفْظِيَّةِ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ فَلَا نِزَاعَ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا شَيْءٍ مِنْهَا بِقَطْعِيٍّ فَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لَا يُفِيدُهُ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأُمُورَ الْمَذْكُورَةَ ظَنِّيَّةٌ فِي كُلِّ دَلِيلٍ لَفْظِيٍّ، وَقَوْلُهُ أَمَّا فِي الْوُجُودِيَّاتِ فَلِعَدَمِ الْعِصْمَةِ وَعَدَمِ التَّوَاتُرِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ التَّوَاتُرِ فِي الْكُلِّ فَإِنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مُتَوَاتِرٌ لُغَةً كَمَعْنَى السَّمَاءِ، وَالْأَرْضِ، وَنَحْوًا كَقَاعِدَةِ رَفْعِ الْفَاعِلِ، وَصَرْفًا كَقَاعِدَةِ أَنَّ مِثْلَ ضَرَبَ: فِعْلٌ مَاضٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤَلَّفَ مِنْهَا دَلِيلٌ لَفْظِيٌّ، وَقَوْلُهُ فِي الْعَدَمِيَّاتِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الِاسْتِقْرَاءِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ مَبْنَاهَا عَلَى أَنَّ الِاشْتِرَاكَ، وَالْمَجَازَ، وَغَيْرَهُمَا مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِهَا كُلِّهَا خِلَافُ الْأَصْلِ، وَالْعَاقِلُ لَا يَسْتَعْمِلُ الْكَلَامَ فِي خِلَافِ الْأَصْلِ إلَّا عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>