للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِعْلَهُ لِيَكُونَ الْإِيجَابُ مُحَصِّلًا لِفِعْلِهِ، وَمَانِعًا مِنْ تَرْكِهِ فَالْإِيجَابُ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْعِنَايَةِ بِوُجُودِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَكَمَالُ الْعِنَايَةِ بِوُجُودِ الْمَأْمُورِ بِهِ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ حُسْنِهِ، وَكَمَالُ الْحُسْنِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ سُقُوطَ التَّكْلِيفِ.

(وَكَوْنُهُ عِبَادَةً يُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا) وَقَوْلُهُ: ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى الْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إتْيَانٌ بِالْمَأْمُورِ بِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَرْت فِي الْأَوَّلِ لَفْظَ يَقْتَضِي، وَفِي الثَّانِي يُوجِبُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ مُقْتَضَى الْأَمْرِ، وَالثَّانِي مُوجِبُ الْأَمْرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ التَّحْصِيلِ.

(فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَمْرُ بِالْجُمُعَةِ يُوجِبُ صِفَةَ حُسْنِهَا، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَشْرُوعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا هِيَ فَلَا يَجُوزُ ظُهْرُ غَيْرِ الْمَعْذُورِ إذَا لَمْ تَفُتْ الْجُمُعَةُ، وَلَمَّا لَمْ يُخَاطَبْ الْمَعْذُورُ بِالْجُمُعَةِ) فَإِذَا أَدَّى الظُّهْرَ (لَمْ يَنْتَقِضْ بِالْجُمُعَةِ قُلْنَا لَمَّا كَانَ الْوَاجِبُ قَضَاءَ الظُّهْرِ لَا الْجُمُعَةِ عَلِمْنَا أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الظُّهْرُ لَكِنَّا أُمِرْنَا بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ مُقَامَهُ فِي الْوَقْتِ فَصَارَتْ مُقَرِّرَةً لَهُ لَا نَاسِخَةً، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ لِعُمُومِ {فَاسْعَوْا} [الجمعة: ٩] لَكِنْ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجُمُعَةُ رُخْصَةً فَإِذَا أَتَى بِالْعَزِيمَةِ صَارَ كَغَيْرِ الْمَعْذُورِ فَانْتَقَضَ الظُّهْرُ) .

هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي مَا ذَكَرَهُ، وَالْخِلَافُ هُنَا فِي أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ غَيْرَ الْمَعْذُورِ إذَا أَدَّى الظُّهْرَ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ، وَيَجُوزُ عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي

ــ

[التلويح]

عِبَادَةً يُوجِبُ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى كَوْنِهِ حَسَنًا لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى عَدَمِ احْتِمَالِهِ سُقُوطَ التَّكْلِيفِ بِهِ، وَلِذَا صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى الْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي حُسْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِعَدَمِ احْتِمَالِ سُقُوطِ التَّكْلِيفِ بِهِ، وَذَكَرَ فِي شُرُوحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُرَادَ بِالضَّرْبِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ هُوَ مَا يَحْسُنُ لِعَيْنِهِ حَقِيقَةً لَا مَا أُلْحِقَ بِهِ حُكْمًا، وَهُوَ الشَّبِيهُ بِالْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ كَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا، وَالْمُرَادُ بِالضَّرْبِ الثَّانِي مَا يُقَابِلُ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ أَعْنِي: مَا يَكُونُ حَسَنًا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ، وَمِثْلُ هَذَا غَيْرُ عَزِيزٍ فِي كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) هُوَ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ مُتَقَدِّمٌ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّيْءَ يَكُونُ حَسَنًا، ثُمَّ يَتَعَلَّقُ بِهِ، الْأَمْرُ ضَرُورَةَ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَا هُوَ حَسَنٌ، وَالْمُوجِبُ مُتَأَخِّرٌ بِمَعْنَى أَنَّ الْأَمْرَ يُوجِبُ حُسْنَهُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ إتْيَانًا بِالْمَأْمُورِ بِهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ، وَهَذَا مَا يُقَالُ: إنَّ حُسْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ عِنْدَنَا مِنْ مَدْلُولَاتِ الْأَمْرِ، وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ مِنْ مُوجِبَاتِهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَمَّا لَمْ يُخَاطَبْ الْمَعْذُورُ بِالْجُمُعَةِ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ عَيْنًا بَلْ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الظُّهْرِ فَإِذَا أَدَّى أَحَدَهُمَا انْدَفَعَ الْآخَرُ

[فَصْلٌ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ]

(قَوْلُهُ: فَصْلٌ) ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ مِنْ الْحَسَنِ لِغَيْرِهِ ضَرْبًا ثَالِثًا يُسَمَّى الْجَامِعَ، وَهُوَ مَا يَكُونُ حَسَنًا لِحُسْنِ شَرْطِهِ بَعْدَمَا كَانَ حَسَنًا لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، وَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>