للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: ٥] فَإِذَا أَسْلَمَ فِي الْوَقْتِ يَجِبُ لَا مَحَالَةَ) أَيْ فَإِذَا حَبِطَ الْعَمَلُ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ يَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعًا، وَاحْتَجَّ عَلَى ضَعْفِ التَّفْرِيعِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ.

(وَلِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ لِلْعُقُوبَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ عِنْدَنَا مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَعَ الْإِيمَانِ) فَقَوْلُهُمْ إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ فَقَطْ مَمْنُوعٌ، ثُمَّ لَمَّا أَبْطَلَ الِاسْتِدْلَالَاتِ الْمَذْكُورَةَ قَالَ (وَالِاسْتِدْلَالُ الصَّحِيحُ عَلَى مَذْهَبِنَا أَنَّ مَنْ نَذَرَ بِصَوْمِ شَهْرٍ، ثُمَّ ارْتَدَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ) فَعُلِمَ أَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ وُجُوبَ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ.

(فَصْلٌ وَالنَّهْيُ إمَّا عَنْ الْحِسِّيَّاتِ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ) الْمُرَادُ بِالْحِسِّيَّاتِ مَا لَهَا وُجُودٌ حِسِّيٌّ فَقَطْ، وَالْمُرَادُ بِالشَّرْعِيَّاتِ مَا لَهَا وُجُودٌ شَرْعِيٌّ مَعَ الْوُجُودِ الْحِسِّيِّ كَالْبَيْعِ، فَإِنَّ لَهُ وُجُودًا حِسِّيًّا، فَإِنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ مَوْجُودَانِ حِسًّا، وَمَعَ هَذَا الْوُجُودِ الْحِسِّيِّ لَهُ وُجُودٌ شَرْعِيٌّ، فَإِنَّ الشَّرْعَ يَحْكُمُ بِأَنَّ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولَ الْمَوْجُودَيْنِ حِسًّا يَرْتَبِطَانِ ارْتِبَاطًا حُكْمِيًّا فَيَحْصُلُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ يَكُونُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي أَثَرًا لَهُ فَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْبَيْعُ حَتَّى إذَا وُجِدَ الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ لَا يَعْتَبِرُهُ الشَّرْعُ بَيْعًا، وَإِذَا وُجِدَ مَعَ الْخِيَارِ يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِوُجُودِ الْبَيْعِ بِلَا تَرَتُّبِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ الْوُجُودُ الشَّرْعِيُّ.

(فَيَقْتَضِي الْقُبْحَ لِعَيْنِهِ اتِّفَاقًا

ــ

[التلويح]

الْعِبَادَاتِ مِنْ الْإِيمَانِ.

(قَوْلُهُ وَالِاسْتِدْلَالُ الصَّحِيحُ) لَا يُقَالُ إنَّهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا فِي السَّيِّئَاتِ، وَنَذْرُ الصَّوْمِ مِنْ الْحَسَنَاتِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ النَّذْرَ مِنْ الْأَعْمَالِ فَيَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ.

[فَصْلٌ النَّهْيُ إمَّا عَنْ الْحِسِّيَّاتِ وَإِمَّا عَنْ الشَّرْعِيَّاتِ]

(قَوْلُهُ فَصْلٌ) النَّهْيُ هُوَ قَوْلُ الْقَائِلِ لَا تَفْعَلْ اسْتِعْلَاءً أَوْ طَلَبُ تَرْكِ الْفِعْلِ أَوْ طَلَبُ كَفٍّ عَنْ الْفِعْلِ اسْتِعْلَاءً، وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ أَوْ الْكَرَاهَةِ أَوْ فِيهِمَا اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا أَوْ مَعْنَوِيًّا كَمَا سَبَقَ فِي الْأَمْرِ، ثُمَّ النَّهْيُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ دُونَ اعْتِقَادَاتِهِمْ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَهْيًا عَنْ فِعْلٍ حِسِّيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى أَنَّ الْقُبْحَ لِعَيْنِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَالْمَقْصُودُ بَيَانُ حُكْمِ الْمُطْلَقِ، وَفُسِّرَ الشَّرْعِيُّ بِمَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُهُ عَلَى الشَّرْعِيِّ وَالْحِسِّيِّ بِخِلَافِهِ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ مِثْلَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْمُكَلَّفِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الشَّرْعِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسْتَغْنِيَ عَنْ الشَّرْعِ هُوَ نَفْسُ الْفِعْلِ، وَأَمَّا مَعَ وَصْفِ كَوْنِهِ عِبَادَةً أَوْ عُقِدَ مَخْصُوصًا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَرَائِطَ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الشَّرْعِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَى الشَّرْعِ حِينَئِذٍ هُوَ وَصْفُ كَوْنِهِ عِبَادَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ فَفِي الْحِسِّيَّاتِ أَيْضًا وَصْفُ كَوْنِ الزِّنَا أَوْ الشُّرْبِ مَعْصِيَةً لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالشُّرْبِ، فَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا يَكُونُ لَهُ مَعَ تَحَقُّقِهِ الْحِسِّيِّ تَحَقُّقَ شَرْعِيٍّ بِأَرْكَانٍ وَشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ بِحَيْثُ لَوْ انْتَفَى بَعْضُهَا لَمْ يَجْعَلْهُ الشَّارِعُ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَلَمْ يَحْكُمْ بِتَحَقُّقِهِ كَالصَّلَاةِ بِلَا طَهَارَةٍ وَالْبَيْعِ الْوَارِدِ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ، وَإِنْ وُجِدَ الْفِعْلُ الْحِسِّيُّ مِنْ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَالْإِيجَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>