للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا قَلَّمَا يَتَطَرَّقُ الْكَذِبُ فِي الْوَكَالَةِ وَالرِّسَالَةِ بِأَنْ يَقُولَ كَاذِبًا وَكَّلَنِي فُلَانٌ أَوْ أَرْسَلَنِي إلَيْكَ، وَيَقُولَ: كَذَا وَكَذَا. وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الْكَاذِبَةُ مِنْ غَيْرِ رِسَالَةٍ وَوَكَالَةٍ فَكَثِيرَةُ الْوُقُوعِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَخَافَةَ ظُهُورِ الْكَذِبِ وَلُزُومِ الضَّرَرِ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَشَدُّ. وَقَوْلُهُ: (رِعَايَةً لِلشَّبَهَيْنِ) أَيْ: شَبَهِ الْإِلْزَامِ وَعَدَمِ الْإِلْزَامِ.

[فَصْلٌ] فِي كَيْفِيَّةِ السَّمَاعِ وَالضَّبْطِ وَالتَّبْلِيغِ أَمَّا السَّمَاعُ فَهُوَ الْعَزِيمَةُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ إمَّا بِأَنْ يَقْرَأَ الْمُحَدِّثُ عَلَيْكَ أَوْ بِأَنْ تَقْرَأَ عَلَيْهِ فَتَقُولُ: أَهُوَ كَمَا قَرَأْتُ فَيَقُولُ نَعَمْ وَالْأَوَّلُ أَعْلَى عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَإِنَّهُ طَرِيقَةُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ ذَلِكَ أَحَقَّ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ كَانَ مَأْمُونًا عَنْ السَّهْوِ أَمَّا فِي غَيْرِهِ، فَلَا عَلَى أَنَّ رِعَايَةَ الطَّالِبِ أَشَدُّ عَادَةً وَطَبِيعَةً، وَأَيْضًا إذَا قَرَأَ التِّلْمِيذُ فَالْمُحَافَظَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَإِذَا قَرَأَ الْأُسْتَاذُ لَا تَكُونُ الْمُحَافَظَةُ إلَّا مِنْهُ.

وَأَمَّا الْكِتَابَةُ وَالرِّسَالَةُ فَقَائِمٌ مَقَامَ الْخِطَابِ فَإِنَّ تَبْلِيغَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ بِالْكِتَابِ وَالْإِرْسَالِ أَيْضًا وَالْمُخْتَارُ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنَا، وَفِي الْأَخِيرَيْنِ أَخْبَرَنَا.

وَأَمَّا الرُّخْصَةُ فَهِيَ الْإِجَازَةُ وَالْمُنَاوَلَةُ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِمَا فِي الْكِتَابِ يَجُوزُ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: أَجَازَ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَخْبَرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَا فِيهِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي. لَهُمَا أَنَّ أَمْرَ السُّنَّةِ

ــ

[التلويح]

إنَّمَا وَقَعَ مِنْ لَفْظِ الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ إذَا حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ، وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يُرْسِلْهُ مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ حَجْرًا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْعَبْدُ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ الْعَدَالَةَ لِلْمَجْمُوعِ وَبَعْضُهُمْ لِلرَّجُلِ فَقَطْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ لِلْعَدَدِ تَأْثِيرًا فِي الِاطْمِئْنَانِ وَلِأَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ فِي الرَّجُلَيْنِ الْعَدَالَةُ كَانَ ذِكْرُهُ ضَائِعًا، وَيَكْفِي أَنْ يُقَالَ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلٌ عَدْلٌ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَبْسُوطِ اشْتِرَاطَ وُجُودِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ أَعْنِي: الذُّكُورَةَ، وَالْحُرِّيَّةَ، وَالْبُلُوغَ لَا نَفْيًا، وَلَا إثْبَاتًا فَلِذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرُهُ إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُشْتَرَطَ سَائِرُ شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى لَا يَقْبَلَ خَبَرَ الْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالصَّبِيِّ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْكُلُّ سَوَاءٌ أَيْ: يَكْفِي فِي هَذَا الْقِسْمِ قَوْلُ كُلِّ مُمَيِّزٍ كَمَا فِي الْقِسْمِ الَّذِي لَا إلْزَامَ فِيهِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَزَمَ بِاشْتِرَاطِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ قُصُورٌ فِي رِعَايَةِ شَبَهِ عَدَمِ الْإِلْزَامِ فَقَوْلُهُ: رِعَايَةً لِلشَّبَهَيْنِ تَعْلِيلٌ لِلِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ

[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ السَّمَاعِ وَالضَّبْطِ وَالتَّبْلِيغِ]

(قَوْلُهُ: فَصْلٌ) فِي كَيْفِيَّةِ السَّمَاعِ، وَهُوَ الْإِجَازَةُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ أَجَزْتُ لَك أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي هَذَا الْكِتَابَ أَوْ مَجْمُوعَ مَسْمُوعَاتِي أَوْ مَقْرُوءَاتِي وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَالْمُنَاوَلَةُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُحَدِّثُ كِتَابَ سَمَاعِهِ بِيَدِهِ وَيَقُولَ: أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي هَذَا الْكِتَابَ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ إعْطَاءِ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ طَرِيقُ الْإِجَازَةِ ضَرُورَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>