للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُصُومَةِ الْجَوَابُ مَجَازًا فَيَتَنَاوَلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مَوْصُولًا؛ لِأَنَّهُ بَيَانُ تَقْرِيرٍ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُسَالَمَةٌ لَا مُخَاصَمَةٌ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ مَفْصُولًا، وَلَوْ قَالَ غَيْرُ جَائِزِ الْإِنْكَارِ فَأَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ بِنَاءً عَلَى الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ لِمُحَمَّدٍ) .

وَهُوَ أَنَّ الْخُصُومَةَ تَشْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ فَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ عَلَى الدَّلِيلِ الثَّانِي لِمُحَمَّدٍ، وَهُوَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ بَيَانُ تَقْرِيرٍ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْإِنْكَارِ لَيْسَ تَقْرِيرًا لِلْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ بَلْ إبْطَالٌ لَهَا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَلَا يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لَا لِلدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَ فِي اسْتِثْنَاءِ الْإِقْرَارِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ مِنْ الْخُصُومَةِ، فَالْخُصُومَةُ هِيَ الْإِنْكَارُ فَقَطْ، فَلَا يُمْكِنُ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ مِنْهَا هَذَا مَا خَطَرَ بِبَالِي.

(مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، وَمُنْقَطِعٌ وَالثَّانِي مَجَازٌ) فَإِنْ قِيلَ قَسَّمْت الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْمُتَّصِلِ

ــ

[التلويح]

مِنْ نَفْسِهِ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْإِقْرَارُ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا وَحِينَئِذٍ لَا يَتَعَذَّرُ إخْرَاجُ الْإِنْكَارِ وَلَا يَلْزَمُ إبْطَالُ الصِّيغَةِ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ الْإِقْرَارُ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِلْإِنْكَارِ عِنْدَهُ فَإِذَا اسْتَثْنَى الْإِنْكَارَ لَزِمَ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ أَيْضًا فَيَلْزَمُ اسْتِثْنَاءُ الشَّيْءِ مِنْ نَفْسِهِ

[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ وَمُنْقَطِعٌ]

(قَوْلُهُ: مَسْأَلَةٌ) الْمُسْتَثْنَى إنْ كَانَ بَعْضَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، وَإِلَّا فَمُنْقَطِعٌ وَلَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْمُسْتَثْنَى حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِي الْقِسْمَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ، وَأَمَّا صِيغَةُ الِاسْتِثْنَاءِ، فَحَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ؛ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْإِخْرَاجِ، وَلَا إخْرَاجَ فِي الْمُنْقَطِعِ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَيْ: الصِّيغَةَ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا هَذَا اللَّفْظُ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ فَإِنَّ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ يُطْلَقُ عَلَى فِعْلِ الْمُتَكَلِّمِ، وَعَلَى الْمُسْتَثْنَى، وَعَلَى نَفْسِ الصِّيغَةِ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ أَوْرَدَ أَصْحَابُنَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٥] مُتَّصِلٌ أَيْ: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَرْمُونَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِمْ بِالْفِسْقِ إلَّا التَّائِبِينَ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَحْكُومٍ عَلَيْهِمْ بِالْفِسْقِ؛ لِأَنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَالْفِسْقُ هُوَ الْمَعْصِيَةُ، وَالْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَقَدْ جَعَلَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرُهُ مُنْقَطِعًا وَبَيَّنُوهُ بِوُجُوهٍ.

الْأَوَّلُ: مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّقْوِيمِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى، وَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّدْرِ لَكِنْ لَمْ يُقْصَدْ إخْرَاجُهُ مِنْ حُكْمِهِ عَلَى مَا هُوَ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ بِهِ قَصْدُ إثْبَاتِ حُكْمٍ آخَرَ لَهُ، وَهُوَ أَنَّ التَّائِبَ لَا يَبْقَى فَاسِقًا، وَلَا يَخْفَى إنَّمَا يَتِمُّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْنَى {هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] الثَّبَاتُ عَلَى الْفِسْقِ، وَالدَّوَامُ وَإِلَّا، فَلَا تَعَذُّرَ لِلِاتِّصَالِ، فَلَا وَجْهَ لِلِانْقِطَاعِ.

الثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ دَاخِلٍ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ التَّائِبَ لَيْسَ بِفَاسِقٍ ضَرُورَةَ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّا قَامَ بِهِ الْفِسْقُ، وَالتَّائِبُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِزَوَالِ الْفِسْقِ بِالتَّوْبَةِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>