للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ بِخَمْسِينَ صَلَاةً ثُمَّ نُسِخَ الزَّائِدُ عَلَى الْخَمْسِ مَعَ عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ هُوَ الِاعْتِقَادَ فَقَطْ أَوْ الِاعْتِقَادَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا، وَهُنَا) أَيْ: فِي صُورَةٍ يَكُونُ الْمَقْصُودُ الِاعْتِقَادَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا.

(الِاعْتِقَادُ أَقْوَى فَإِنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً كَمَا فِي الْمُتَشَابِهِ، وَهُوَ) أَيْ: الِاعْتِقَادُ (لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِخِلَافِ الْعَمَلِ) فَإِنَّ الْعَمَلَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْقُطَ بِعُذْرٍ كَالْإِقْرَارِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهَا (فَذَبْحُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) أَيْ: مِنْ قَبِيلِ النَّسْخِ قَبْلَ الْفِعْلِ عِنْدَ الْبَعْضِ.

(وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَيْسَ بِنَسْخٍ فَإِنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَا يَكُونُ نَسْخًا) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ تَقْرِيرِ الْأَصْلِ عَلَى مَا كَانَ (وَإِنَّمَا أُمِرَ بِذَبْحِ الْوَلَدِ ابْتِلَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ قِيلَ الْأَمْرُ بِالْفِدَاءِ حَرَّمَ الْأَصْلَ فَيَكُونُ نَسْخًا) هَذَا إشْكَالٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ ذَبْحَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَ بِنَسْخٍ (قُلْنَا لَمَّا قَامَ الْغَيْرُ مَقَامَهُ عَادَ الْحُرْمَةُ الْأَصْلِيَّةُ) .

(وَأَمَّا النَّاسِخُ فَهُوَ إمَّا الْكِتَابُ أَوْ السُّنَّةُ لَا الْقِيَاسُ عَلَى مَا يَأْتِي

ــ

[التلويح]

مَا مَضَى.

وَلِذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كُلُّ نَسْخٍ وَاقِعٍ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا كَانَ يُقَدَّرُ وُقُوعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يَنْعَطِفُ عَلَى مُقَدَّمِ سِيَاقٍ بَلْ الْغَرَضُ أَنَّهُ إذَا فُرِضَ وُرُودُ الْأَمْرِ بِشَيْءٍ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ وَقْتِ اتِّصَالِ الْأَمْرِ بِهِ مَا يَتَّسِعُ لِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ التَّكْلِيفُ بِفِعْلٍ ظَاهِرٍ فِي الِاسْتِمْرَارِ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ قَبْلَ أَنْ يُؤْتَى بِشَيْءٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: حُجُّوا هَذِهِ السَّنَةَ وَصُومُوا غَدًا ثُمَّ قَالَ قَبْلَ مَجِيءِ وَقْتِ الْحَجِّ وَالْغَدِ: لَا تَحُجُّوا أَوْ لَا تَصُومُوا، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ إذْ لَا رَفْعَ هُنَا، وَلَا بَيَانَ لِلِانْتِهَاءِ، وَإِنَّمَا اسْتِخْلَافٌ، وَجَعَلَ ذَبْحَ الشَّاةِ بَدَلًا عَنْ ذَبْحِ الْوَلَدِ إذْ الْفِدَاءُ اسْمٌ لِمَا يَقُومُ مَقَامَ الشَّيْءِ فِي قَبُولِ مَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ مِنْ الْمَكْرُوهِ يُقَالُ: فَدَيْتُكَ نَفْسِي أَيْ: قَبِلْت مَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْكَ مِنْ الْمَكْرُوهِ.

وَلَوْ كَانَ ذَبْحُ الْوَلَدِ مُرْتَفِعًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى قِيَامِ شَيْءٍ مَقَامَهُ وَحَيْثُ قَامَ الْخَلَفُ مَقَامَ الْأَصْلِ لَمْ يَتَحَقَّقْ تَرْكُ الْمَأْمُورِ بِهِ حَتَّى يَلْزَمَ الْإِثْمُ فَإِنْ قِيلَ هَبْ أَنَّ الْخَلَفَ قَامَ مَقَامَ الْأَصْلِ لَكِنَّهُ اسْتَلْزَمَ حُرْمَةَ الْأَصْلِ أَعْنِي ذَبْحَ الْوَلَدِ، وَتَحْرِيمُ الشَّيْءِ بَعْدَ وُجُوبِهِ نَسْخٌ لَا مَحَالَةَ. فَجَوَابُهُ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ كَوْنَهُ نَسْخًا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ حُرْمَةَ ذَبْحِ الْوَلَدِ ثَابِتَةٌ فِي الْأَصْلِ فَزَالَتْ بِالْوُجُوبِ ثُمَّ عَادَتْ بِقِيَامِ الشَّاةِ مَقَامَ الْوَلَدِ، فَلَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا حَتَّى يَكُونَ ثُبُوتُهَا نَسْخًا لِلْوُجُوبِ

[بَيَانُ النَّاسِخِ]

(قَوْلُهُ: لَا الْقِيَاسُ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ التَّعَدِّي إلَى فَرْعٍ لَا نَصَّ فِيهِ. (قَوْلُهُ: فَلَا نَسْخَ حِينَئِذٍ) أَيْ: بَعْدَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ صَارَتْ مُؤَبَّدَةً بِانْقِطَاعِ الْوَحْيِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِالْأَحْكَامِ الْمَنْصُوصَةِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَقَطَ نَصِيبُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ الْمُنْعَقِدِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَثَبَتَ حَجْبُ الْأُمِّ عَنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>