للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(عَلَى الطَّوَافِ، وَالْفَاتِحَةُ وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِيَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ) يَرْجِعُ إلَى الْكُلِّ (وَالْإِيمَانُ عَلَى الرَّقَبَةِ بِالْقِيَاسِ) أَيْ: لَا يُزَادُ قَيْدُ الْإِيمَانِ عَلَى الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِالْقِيَاسِ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ. (يَرِدُ هُنَا أَنَّكُمْ زِدْتُمْ الْفَاتِحَةَ وَالتَّعْدِيلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حَتَّى وَجَبَا، وَإِنَّمَا لَمْ تَثْبُتْ الْفَرْضِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَكُمْ) فَإِنَّ الْفَرْضَ عِنْدَكُمْ مَا ثَبَتَ لُزُومُهُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَالْوَاجِبُ مَا ثَبَتَ لُزُومُهُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ فَقَدْ زِدْتُمْ عَلَى الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ بِهِ وَهُوَ الْوُجُوبُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّا لَمْ نَزِدْ الْفَاتِحَةَ وَالتَّعْدِيلَ عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُ مِنْهُ نَسْخُ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ بِعَدَمِ إجْزَاءِ الْأَصْلِ لَوْلَا الْفَاتِحَةُ وَالتَّعْدِيلُ حَتَّى يَلْزَمَ النَّسْخُ حِينَئِذٍ بَلْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ فَقَطْ.

بِمَعْنَى أَنَّهُ يَأْثَمُ تَارِكُهُمَا، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى لَا يَلْزَمُ نَسْخُ الْكِتَابِ أَصْلًا وَلَا يُمْكِنُ مِثْلُ هَذَا فِي الْوُضُوءِ حَتَّى تَكُونَ النِّيَّةُ، وَالتَّرْتِيبُ وَاجِبَيْنِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ وَاجِبًا لِعَيْنِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَأْثَمُ تَارِكُهُ بَلْ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ النِّيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِمَا فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهِمَا عَدَمُ إجْزَاءِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ، وَهَذَا سِرُّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَعَلَ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبَاتٍ وَلَمْ

ــ

[التلويح]

كَوْنُهَا قُرْآنًا وَاجِبٌ مِنْ حَيْثُ خُصُوصِيَّةُ الْفَاتِحَةِ، وَعِنْدَ تَغَايُرِ الْحَيْثِيَّتَيْنِ لَا مُنَافَاةَ.

(قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ) يَعْنِي: أَنَّ الْكَلَامَ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ قُرْبَةً فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ إذْ بِهَا تَتَمَيَّزُ الْعِبَادَةُ عَنْ الْعَادَةِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ، وَالتَّرْتِيبُ وَاجِبَيْنِ فِي الْوُضُوءِ عَلَى قَصْدِ الْقُرْبَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَكُونَ قُرْبَةً بِدُونِهِمَا.

(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي آثِمًا بِاعْتِبَارِ تَرْكِهِ النِّيَّةَ، أَوْ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ مَعَ صِحَّةِ صَلَاتِهِ كَمَا فِي تَرْكِ الْفَاتِحَةِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ النَّسْخُ.

(قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهِمَا عَدَمُ إجْزَاءِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ) الْأَنْسَبُ أَنْ يُفَسِّرَ الْأَصْلَ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ، وَمَعْنَى عَدَمِ إجْزَائِهِ كَوْنُهُ غَيْرُ كَافٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَصْلِ فِي هَذَا الْمَقَامِ هُوَ الْمَزِيدُ عَلَيْهِ الَّذِي تَرْفَعُ الزِّيَادَةُ أَجْزَاءَهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجْعَلْ تِلْكَ) أَيْ: الْوَاجِبَاتِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَأْثَمُ تَارِكُهَا فِي الْوُضُوءِ، وَإِلَّا فَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ غَسْلَ الْمِرْفَقِ، وَمِقْدَارَ الرُّبُعِ فِي الْمَسْحِ وَاجِبٌ بِمَعْنَى اللَّازِمِ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ بِحَيْثُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ.

(قَوْلُهُ: أَصْلُهُ ثَابِتٌ) اقْتِبَاسٌ لَطِيفٌ بِتَغْيِيرٍ يَسِيرٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ لُطْفِ الْإِبْهَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْمُ أَبِيهِ ثَابِتٌ كَمَا أَنَّ قَوَاعِدَ فِقْهِهِ، وَأُصُولِهِ ثَابِتَةٌ مُحْكَمَةٌ وَنَتَائِجُ فِكْرِهِ عَالِيَةٌ مُشْتَهِرَةٌ كَفُرُوعِ فِقْهِهِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الضَّرُورَةِ]

(قَوْلُهُ لِلشَّرِكَةِ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ) وَهُوَ عَقْدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>