للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونَ الثَّابِتُ عِنْدَ الْبَعْضِ الْوُجُودَ فِي صُورَةٍ مَعَ الْعَدَمِ فِي الْأُخْرَى، وَعِنْدَ الْبَعْضِ عَكْسُ ذَلِكَ كَمَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ وَالْمَسِّ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَاقِضٌ أَوْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا نَاقِضًا لَا يَكُونُ خِلَافَ الْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِانْتِقَاضِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةِ الْمَسِّ، وَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ وَلَوْ جُعِلَ الْحُكْمَانِ حُكْمًا وَاحِدًا كَمَا يُقَالُ الِانْتِقَاضُ فِي الْخُرُوجِ مَعَ عَدَمِهِ فِي الْمَسِّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَكْسُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهُمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ جَعَلَ أَحَدَ الِافْتِرَاقَيْنِ مُشْتَرَكًا فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَلَوْ قِيلَ: يَشْتَرِكَانِ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ مَنْ احْتَجَمَ وَمَسَّ الْمَرْأَةَ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ.

أَمَّا عِنْدَنَا فَلِلِاحْتِجَامِ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِلْمَسِّ فَاَلَّذِي يَخْطُرُ بِبَالِي أَنْ لَا يُقَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ بَاطِلَةٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ لِلِاحْتِجَامِ، وَالْحُكْمَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهَا لَا تَجُوزُ لِلْمَسِّ وَكُلٌّ مِنْ الْحُكْمَيْنِ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْآخَرِ لَا تَعَلُّقَ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ.

فَيُمْكِنُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ مُخْطِئًا فِي الْخُرُوجِ مُصِيبًا فِي الْمَسِّ، وَالشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ مُخْطِئًا فِي الْمَسِّ مُصِيبًا فِي الْخُرُوجِ إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ مُخْطِئًا فِي أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ مُخْطِئًا فِي الْآخَرِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّابِتُ عِنْدَ الْبَعْضِ الْوُجُودَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْعَدَمَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَيُسَمَّى هَذَا عَدَمُ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ الْمُرَكَّبُ فَأَعَمُّ مِنْ هَذَا

ــ

[التلويح]

الْحُكْمَانِ) يَعْنِي: لَوْ اُعْتُبِرَ التَّرْكِيبُ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ لِيَصِيرَ حُكْمًا وَاحِدًا بِأَنْ يُقَالَ الِانْتِقَاضُ بِالْخُرُوجِ مَعَ عَدَمِ الِانْتِقَاضِ بِالْمَسِّ حُكْمٌ وَاحِدٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَالِانْتِقَاضُ بِالْمَسِّ مَعَ عَدَمِ الِانْتِقَاضِ بِالْخُرُوجِ حُكْمٌ وَاحِدٌ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهَذَانِ لَا يَشْتَرِكَانِ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ حَتَّى تَكُونَ مُخَالَفَتُهُ إبْطَالًا لِلْإِجْمَاعِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَحَدِ الِافْتِرَاقَيْنِ أَعْنِي: انْتِقَاضَ الْخُرُوجِ دُونَ الْمَسِّ أَوْ بِالْعَكْسِ.

فَالْجَوَابُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ وَاحِدًا اعْتِبَارِيًّا لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِشُمُولِ الْعَدَمِ مُبْطِلًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ بُطْلَانُ صَلَاةِ مَنْ احْتَجَمَ وَمَسَّ. فَالْجَوَابُ أَنَّ بُطْلَانَهَا لَيْسَ بِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ فَاَلَّذِي يَخْطِرُ بِبَالِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جِهَةِ الْبُطْلَانِ فَالْحُكْمَانِ مُتَّحِدَانِ لَا تَغَايُرَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا، وَإِنَّمَا التَّغَايُرُ فِي الْعِلَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ الْمُرَكَّبُ فَأَعَمُّ مِنْ هَذَا) أَيْ: مِمَّا يُسَمَّى عَدَمَ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا قَائِلًا بِالثُّبُوتِ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ فَقَطْ، وَالْآخَرُ بِالثُّبُوتِ فِيهِمَا أَوْ بِالْعَدَمِ فِيهِمَا

[الْأَمْرُ الثَّانِي أَهْلِيَّةُ مَنْ يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ]

(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ هُوَ) أَيْ: صَاحِبُ الْبِدْعَةِ الَّذِي يَدْعُو النَّاسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>