للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُورِثُ التُّهْمَةَ، وَيُسْقِطُ الْعَدَالَةَ، وَصَاحِبُ الْبِدْعَةِ يَدْعُو النَّاسَ إلَيْهَا وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْأُمَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَسَقَطَتْ الْعَدَالَةُ بِالتَّعَصُّبِ أَوْ السَّفَهِ وَكَذَا الْمُجُونُ) اعْلَمْ أَنَّ الْبِدْعَةَ لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا تَعَصُّبٌ، وَإِمَّا سَفَهٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ وَافِرَ الْعَقْلِ عَالِمًا بِقُبْحِ مَا يَعْتَقِدُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ يُعَانِدُ الْحَقَّ وَيُكَابِرُهُ فَهُوَ الْمُتَعَصِّبُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَافِرَ الْعَقْلِ كَانَ سَفِيهًا إذْ السَّفَهُ خِفَّةٌ، وَاضْطِرَابٌ يَحْمِلُهُ عَلَى فِعْلٍ مُخَالِفٍ لِلْعَقْلِ لِقِلَّةِ التَّأَمُّلِ وَأَمَّا الْمُجُونُ فَهُوَ عَدَمُ الْمُبَالَاةِ فَالْمُفْتِي الْمَاجِنُ هُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْحِيَلَ.

(وَأَمَّا عَامَّةُ النَّاسِ فَفِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ كَنَقْلِ الْقُرْآنِ، وَأُمَّهَاتُ الشَّرَائِعِ دَاخِلُونَ فِي الْإِجْمَاعِ كَالْمُجْتَهِدِينَ وَفِيمَا يَحْتَاجُ لَا عِبْرَةَ بِهِمْ) اعْلَمْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَوْعَيْنِ أَحَدِهِمَا: إجْمَاعٌ يُفِيدُ قَطْعِيَّةَ الْحُكْمِ أَيْ: سَنَدُ الْإِجْمَاعِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْقَطْعِ بَلْ الْإِجْمَاعُ يُفِيدُ الْقَطْعِيَّةَ. وَالثَّانِي: إجْمَاعٌ لَا يُفِيدُ قَطْعِيَّةَ الْحُكْمِ بِأَنْ يَكُونَ سَنَدَ الْإِجْمَاعِ مُوجِبًا لِلْقَطْعِ ثُمَّ الْإِجْمَاعُ يُفِيدُ زِيَادَةَ تَوْكِيدٍ، فَنَقْلُ الْقُرْآنِ وَأُمَّهَاتِ الشَّرَائِعِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.

وَالْإِجْمَاعُ الْأَوَّلُ لَا يَنْعَقِدُ مَا بَقِيَ مُخَالِفٌ وَاحِدٌ، وَذَلِكَ الْمُخَالِفُ أَوْ مُخَالِفٌ آخَرُ فِي عَهْدٍ آخَرَ لَا يَكْفُرُ بِالْمُخَالَفَةِ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ الثَّانِي فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحُكْمَ قَطْعِيٌّ بِدُونِهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوَافِقْ جَمِيعَ الْعَوَامّ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ حَتَّى لَا يَكْفُرَ الْجَاحِدُ بَلْ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ مِنْ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ الْمُخَالَفَةُ حَتَّى لَوْ خَالَفَ أَحَدٌ يَكْفُرُ.

(وَبَعْضُ النَّاسِ خَصُّوا الْإِجْمَاعَ بِالصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُمْ

ــ

[التلويح]

مَا يُشْعِرُ بِالْمَنْعِ وَذَلِكَ كَبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ كَانَ مُخْتَلَفًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَأَجْمَعَ التَّابِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَلَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَوَى الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ فَقِيلَ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَقِيلَ: عَلَى أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً حَيْثُ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ.

(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ لَمْ يَبْقَ) أَيْ: لَمْ يَبْقَ دَلِيلًا يُعْتَدُّ بِهِ وَيُعْمَلُ بِهِ وَعِبَارَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ نَسْخٌ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا نَسْخَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ، وَأُجِيبُ بِجَوَازِهِ فِيمَا يَثْبُتُ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى ذَلِكَ الْحُكْمُ بِانْتِهَاءِ الْمَصْلَحَةِ وَفَّقَ اللَّهُ تَعَالَى أَئِمَّةَ الْمُجْتَهِدِينَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَرَفْعِ الْخِلَافِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا مُدَّةَ الْحُكْمِ، وَتَبَدُّلَ الْمَصْلَحَةِ.

[الْأَمْرُ الرَّابِعُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ]

(قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ) أَيْ: الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ إذْ الْحُكْمُ الدُّنْيَوِيُّ لَا يَثْبُتُ يَقِينًا؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ فَوْقَ صَرِيحِ قَوْلِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي مَصَالِحِ الدُّنْيَا «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قِصَّةِ التَّلْقِيحِ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ» وَرُبَّمَا كَانَ يَتْرُكُ رَأْيَهُ فِي الْحُرُوبِ بِمُرَاجَعَةِ الصَّحَابَةِ وَقِيلَ: يَثْبُتُ الْحُكْمُ مُطْلَقًا لَكِنْ فِي الدُّنْيَوِيِّ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ بَعْدَ تَبَدُّلِ الْمَصْلَحَةِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ إجْمَاعُهُ ظَنِّيًّا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ، وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>