للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَلَامِ لِلتَّعْلِيلِ أَوْ يَكُونَ تَقْدِيرُهُ لِأَنَّ وَالْحَذْفُ غَيْرُ الْإِيمَاءِ

(وَنَحْوُ: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ» الْحَدِيثَ أَوْ يُفَرَّقُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ بِحَسَبِ وَصْفٍ مَعَ ذِكْرِهِمَا نَحْوُ: لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ) فَإِنَّهُ فَرَّقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ

(بِحَسَبِ وَصْفِ الْفُرُوسِيَّةِ وَضِدِّهَا) فَقَوْلُهُ مَعَ ذِكْرِهِمَا إمَّا أَنْ يُرْجِعَ الضَّمِيرَ إلَى الْحُكْمَيْنِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي الْحُكْمِ فَفُهِمَ الْحُكْمَانِ فَيَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَيْهِمَا أَوْ يَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى الشَّيْئَيْنِ

(أَوْ ذَكَرَ أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ أَوْ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ

(نَحْوُ: «الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ» ) فَإِنَّ تَخْصِيصَ الْقَاتِلِ بِالْمَنْعِ مِنْ الْإِرْثِ مَعَ سَابِقَةِ الْإِرْثِ يُشْعِرُ بِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ الْقَتْلُ

(أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ نَحْوُ: {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: ٢٣٧] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: ٢٣٧] وَالْعَفْوُ يَكُونُ عِلَّةً لِسُقُوطِ الْمَفْرُوضِ

(أَوْ بِطَرِيقِ الْغَايَةِ نَحْوُ: حَتَّى يَطْهُرْنَ أَوْ بِطَرِيقِ الشَّرْطِ نَحْوُ: «مِثْلًا بِمِثْلٍ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» ) فَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ يَكُونُ عِلَّةً لِجَوَازِ الْبَيْعِ

(وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إنْ سُلِّمَ الْعِلِّيَّةُ) إنَّمَا قَالَ إنْ سُلِّمَ الْعِلِّيَّةُ؛ لِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ نَحْوُ: وَاقَعْتُ امْرَأَتِي لِأَنَّهُ وَإِنْ نَسَبَ الْحُكْمَ إلَى الْمُوَاقَعَةِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ شَيْئًا يَشْمَلُ عِلِّيَّةَ

ــ

[التلويح]

وَإِنَّمَا وَقَعَتْ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِعِ لِتَقْوِيَةِ الْجُمْلَةِ الَّتِي يَطْلُبُهَا الْمُخَاطَبُ وَيَتَرَدَّدُ فِيهَا وَيَسْأَلُ عَنْهَا، وَدَلَالَةُ الْجَوَابِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ إيمَاءٌ لَا صَرِيحٌ وَبِالْجُمْلَةِ كَلِمَةُ إنَّ مَعَ الْفَاءِ أَوْ بِدُونِهَا قَدْ تُورَدُ فِي أَمْثِلَةِ الصَّرِيحِ، وَقَدْ تُورَدُ فِي أَمْثِلَةِ الْإِيمَاءِ وَيُعْتَذَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ وَالْفَاءَ وَإِيمَاءٌ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَعْلِيلِهِ أَنَّ مِنْ احْتِمَالِ كَوْنِهَا عَلَى حَذْفِ اللَّامِ فَبَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي أَنَّ بِالْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ) فِيهِ سُوءُ تَرْتِيبٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْمَنْعَ ثُمَّ يَتَكَلَّمَ عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ ثُمَّ الْمُتَمَسِّكُونَ بِمَسْلَكِ الْإِيمَاءِ لَا يَدَّعُونَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ قَطْعًا حَتَّى يَكُونَ احْتِمَالُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ شَيْئًا آخَرَ فَادِحًا فِي كَلَامِهِمْ بَلْ يَدَّعُونَ فِيهِ الظَّنَّ وَظُهُورَ الْعِلِّيَّةِ دَفْعًا لِلِاسْتِبْعَادِ، وَالْغَايَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَغَيْرُهُمَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ بِهَا الْقِيَاسُ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا فِي الْمَنْصُوصَةِ أَيْ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا النَّصُّ صَرِيحًا أَوْ إيمَاءً مِثْلُ {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] «وَالْقَاتِلُ لَا يَرِثُ» «وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ» فَمَقْصُودُهُمْ بَيَانُ وُجُوهِ دَلَالَةِ النَّصِّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ بِهَا الْقِيَاسُ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ

[الثَّالِثُ الْمُنَاسَبَةُ]

(قَوْلُهُ وَثَالِثُهَا الْمُنَاسَبَةُ) وَهِيَ كَوْنُ الْوَصْفِ بِحَيْثُ يَكُونُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مُتَضَمِّنًا لَجَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ مُعْتَبَرٍ فِي الشَّرْعِ كَمَا يُقَالُ الصَّوْمُ شُرِعَ لِكَسْرِ الْقُوَّةِ الْحَيَوَانِيَّةِ فَإِنَّهُ نَفْعٌ بِحَسَبِ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ ضَرَرًا بِحَسَبِ الطِّبِّ.

وَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْقَوْمِ فِي بَحْثِ الْمُنَاسَبَةِ وَأَقْسَامِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَلِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَقَامِ تَعْلِيقٌ أَوْرَدَ فِيهِ غَايَةَ مَا أَدَّى إلَيْهِ نَظَرُهُ فَنَحْنُ نُورِدُهُ وَنَزِيدُ عَلَيْهِ نُبَذًا مِنْ كَلَامِ الْقَوْمِ يُطْلِعُك عَلَى اخْتِلَافِ كَلِمَتِهِمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَسَى أَنْ تَفُوزَ فِي أَثْنَائِهِ بِالْمُرَامِ، فَالْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ لَا يَصِيرُ عِلَّةً بِمُجَرَّدِ الِاطِّرَادِ بَلْ لَا بُدَّ لِذَلِكَ مِنْ مَعْنًى يُعْقَلُ بِأَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْحُكْمِ ثُمَّ يَكُونَ مُعَدَّلًا بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ صَلَاحِهِ لِلشَّهَادَةِ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ثُمَّ اعْتِبَارِ عَدَالَتِهِ بِالِاجْتِنَابِ عَنْ مَحْظُورَاتِ الدِّينِ فَكَذَا لَا بُدَّ لِجَعْلِ الْوَصْفِ عِلَّةً مِنْ صَلَاحِهِ لِلْحُكْمِ بِوُجُوبِ الْمُلَاءَمَةِ وَمِنْ عَدَالَتِهِ بِوُجُودِ التَّأْثِيرِ فَالتَّعْلِيلُ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ مُلَائِمًا، وَبَعْدَ الْمُلَاءَمَةِ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إلَّا بَعْدَ كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا عِنْدَنَا وَمُخَيَّلًا عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالْمُلَاءَمَةِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْعَمَلِ بِالْعِلَلِ وَالتَّأْثِيرِ، أَوْ الْإِخَالَةُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ دُونَ الْجَوَازِ حَتَّى لَوْ عَمِلَ بِهَا قَبْلَ ظُهُورِ التَّأْثِيرِ نَفَذَ وَلَمْ يَنْفَسِخْ، وَمَعْنَى الْمُلَاءَمَةِ الْمُوَافَقَةُ وَالْمُنَاسَبَةُ لِلْحُكْمِ بِأَنْ يَصِحَّ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِ، وَلَا يَكُونَ نَائِبًا عَنْهُ كَإِضَافَةِ ثُبُوتِ الْفُرْقَةِ فِي إسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى إبَاءِ الْآخَرِ عَنْ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ يُنَاسِبُهُ لَا إلَى وَصْفِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ نَابَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ عُرِفَ عَاصِمًا لِلْحُقُوقِ لَا قَاطِعًا لَهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْمُلَاءَمَةُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ عَلَى وَفْقِ مَا جَاءَ مِنْ السَّلَفِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّلُونَ بِالْأَوْصَافِ الْمُلَائِمَةِ لِلْأَحْكَامِ لَا النَّائِيَةِ عَنْهَا فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَعْنَى الْمُلَاءَمَةِ هُوَ الْمُنَاسَبَةُ وَأَنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>