للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ النَّاسِ الْعَمَلَ بِالِاسْتِحْسَانِ جَهْلًا مِنْهُمْ فَإِنْ أَنْكَرُوا هَذِهِ التَّسْمِيَةَ فَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحَاتِ وَإِنْ أَنْكَرُوهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَبَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَعْنِي بِهِ دَلِيلًا مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا يَقَعُ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَيُعْمَلُ بِهِ إذَا كَانَ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِهِ

(؛ لِأَنَّهُ إمَّا بِالْأَثَرِ كَالسَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ وَبَقَاءِ الصَّوْمِ فِي النِّسْيَانِ وَإِمَّا بِالْإِجْمَاعِ كَالِاسْتِصْنَاعِ وَإِمَّا بِالضَّرُورَةِ كَطَهَارَةِ الْحِيَاضِ وَالْآبَارِ وَإِمَّا بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ، وَذَكَرُوا لَهُ) أَيْ لِلْقِيَاسِ الْخَفِيِّ

(قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ مَا قَوِيَ أَثَرُهُ) أَيْ تَأْثِيرُهُ

(وَالثَّانِي مَا ظَهَرَ صِحَّتُهُ وَخَفِيَ فَسَادُهُ) أَيْ إذَا نَظَرْنَا إلَيْهِ بَادِئَ النَّظَرِ نَرَى صِحَّتَهُ ثُمَّ إذَا تَأَمَّلْنَا حَقَّ التَّأَمُّلِ عَلِمْنَا أَنَّهُ فَاسِدٌ

(وَلِلْقِيَاسِ) أَيْ لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ (قِسْمَانِ

مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ وَمَا ظَهَرَ فَسَادُهُ وَخَفِيَ صِحَّتُهُ

ــ

[التلويح]

الْمَعْنَى فَقَدْ قِيلَ هُوَ دَلِيلٌ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ يَعْسُرُ عَلَيْهِ التَّعْبِيرُ عَنْهُ فَإِنْ أُرِيدَ بِالِانْقِدَاحِ الثُّبُوتُ فَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ، وَلَا أَثَرَ لَعَجْزِهِ عَنْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ شَكٌّ فَلَا نِزَاعَ فِي بُطْلَانِ الْعَمَلِ وَقِيلَ هُوَ الْعُدُولُ عَنْ قِيَاسٍ إلَى قِيَاسٍ أَقْوَى وَقِيلَ الْعُدُولُ إلَى خِلَافِ الظَّنِّ لِدَلِيلٍ أَقْوَى، وَلَا نَزَالُ فِي قَبُولِ ذَلِكَ وَقِيلَ تَخْصِيصُ الْقِيَاسِ بِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ فَيَرْجِعُ إلَى تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الْعُدُولُ فِي مَسْأَلَةٍ عَنْ مِثْلِ مَا حُكِمَ بِهِ فِي نَظَائِرِهَا إلَى خِلَافِهِ بِوَجْهٍ هُوَ أَقْوَى وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّخْصِيصُ وَالنَّسْخُ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ هُوَ تَرْكُ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الِاجْتِهَادِ غَيْرِ شَامِلٍ شُمُولَ الْأَلْفَاظِ بِوَجْهٍ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ فِي حُكْمِ الطَّارِئِ عَلَى الْأَوَّلِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ غَيْرِ شَامِلٍ عَنْ تَرْكِ الْعُمُومِ إلَى الْخُصُوصِ وَبِقَوْلِهِ وَهُوَ فِي حُكْمِ الطَّارِئِ عَنْ الْقِيَاسِ فِيمَا إذَا قَالُوا لَوْ تَرَكْنَا الِاسْتِحْسَانَ بِالْقِيَاسِ وَأَوْرَدَ عَلَى هَذِهِ التَّفَاسِيرِ أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِحْسَانِ بِالْقِيَاسِ يَكُونُ عُدُولًا عَنْ الْأَقْوَى إلَى الْأَضْعَفِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِانْضِمَامِ مَعْنًى آخَرَ إلَى الْقِيَاسِ يَصِيرُ بِهِ أَقْوَى وَلَمَّا اخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ فِي تَفْسِيرِ الِاسْتِحْسَانِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ لُغَةً عَلَى مَا يَهْوَاهُ الْإِنْسَانُ وَيَمِيلُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقْبَحًا عِنْدَ الْغَيْرِ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَ إنْكَارُ الْعَمَلِ بِهِ عِنْدَ الْجَهْلِ بِمَعْنَاهُ مُسْتَحْسَنًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُرَادُ مِنْهُ إذْ لَا وَجْهَ لِقَبُولِ الْعَمَلِ بِمَا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ.

[لِلْقِيَاسِ الْخَفِيِّ قِسْمَيْنِ]

وَبَعْدَمَا اسْتَقَرَّتْ الْآرَاءُ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِدَلِيلٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ نَصًّا كَانَ أَوْ إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا خَفِيًّا إذَا وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ قِيَاسٍ تَسْبِقُ إلَيْهِ الْأَفْهَامُ حَتَّى لَا يُطْلَقَ عَلَى نَفْسِ الدَّلِيلِ مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةٍ فَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ تَصَوُّرِ خِلَافٍ ثُمَّ إنَّهُ غَلَبَ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ عَلَى الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ خَاصَّةً كَمَا غَلَبَ اسْمُ الْقِيَاسِ عَلَى الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ تَمْيِيزًا بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ، وَأَمَّا فِي الْفُرُوعِ فَإِطْلَاقُ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ عِنْدَ وُقُوعِهِمَا فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ شَائِعٌ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْقِيَاسِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>