للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحِسِّيُّ يَخْرُجُ إدْرَاكُهَا إلَى الْفِعْلِ فَكَذَا الْقَلْبُ) أَيْ النَّفْسُ الْإِنْسَانِيَّةُ مَعَ هَذَا النُّورِ الْعَقْلِيِّ وَقَوْلُهُ (طَرِيقٌ يُبْتَدَأُ بِهِ فَابْتِدَاءُ دَرْكِ الْحَوَاسِّ ارْتِسَامُ الْمَحْسُوسِ فِي الْحَاسَّةِ الظَّاهِرَةِ وَنِهَايَتُهُ ارْتِسَامُهُ فِي الْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ، وَحِينَئِذٍ بِدَايَةُ تَصَرُّفِ الْقَلْبِ فِيهِ بِوَاسِطَةِ الْعَقْلِ بِأَنْ يُدْرِكَ مِنْ الشَّاهِدِ أَوْ يَنْتَزِعَ الْكُلِّيَّاتِ مِنْ تِلْكَ الْجُزْئِيَّاتِ الْمَحْسُوسَةِ، وَلِهَذَا التَّصَرُّفِ مَرَاتِبُ: اسْتِعْدَادُهُ لِهَذَا الِانْتِزَاعِ ثُمَّ عِلْمُ الْبَدِيهِيَّاتِ عَلَى وَجْهٍ يُوصِلُ إلَى النَّظَرِيَّاتِ ثُمَّ عِلْمُ النَّظَرِيَّاتِ مِنْهَا ثُمَّ اسْتِحْضَارُهَا بِحَيْثُ لَا تَغِيبُ وَهَذَا نِهَايَتُهُ، وَيُسَمَّى الْعَقْلَ الْمُسْتَفَادَ وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ) اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَعْرِيفِ الْعَقْلِ أَوْرَدَهُ مَشَايِخُنَا فِي كُتُبِهِمْ، وَمَثَّلُوهُ بِالشَّمْسِ كَمَا

ــ

[التلويح]

لِلْمَصِيرِ إلَى الْخَلَفِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ مَثَلًا إرَادَةُ الصَّلَاةِ انْعَقَدَتْ سَبَبًا لِلْوُضُوءِ لِإِمْكَانِ حُصُولِ الْمَاءِ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ ثُمَّ لِظُهُورِ الْعَجْزِ يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ إلَى التَّيَمُّمِ، وَهَذَا كَمَا إذَا حَلَفَ لَيَمَسَّنَّ السَّمَاءَ فَإِنَّ الْيَمِينَ قَدْ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ لِإِمْكَانِ مَسِّ السَّمَاءِ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّهُ مَعْدُومٌ عُرْفًا وَعَادَةً فَانْتَقَلَ الْحُكْمُ إلَى الْخَلْفِ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ مَا كَانَ أَوْ ثُبُوتِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي فَإِنَّهُ لَا يُثْبِتُ الْكَفَّارَةَ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ عَلَى مَا سَبَقَ تَحْقِيقُ ذَلِكَ

[بَابُ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ]

. (قَوْلُهُ بَابُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ) ، وَهُوَ الْمُكَلَّفُ أَيْ الَّذِي تَعَلَّقَ الْخِطَابُ بِفِعْلِهِ، وَأَهْلِيَّتِهِ لِذَلِكَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعَقْلِ إذْ لَا تَكْلِيفَ عَلَى الصَّبِيِّ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْحُكَمَاءُ وَغَيْرُهُمْ لَفْظَ الْعَقْلِ عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا الْجَوْهَرُ الْمُجَرَّدُ فِي ذَاتِهِ وَفِعْلِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ جِسْمًا، وَلَا جُسْمَانِيًّا، وَلَا تَتَوَقَّفُ أَفْعَالُهُ عَلَى تَعَلُّقِهِ بِجِسْمٍ، وَهَذَا مَعْنَى الْجَوْهَرِ الْمُجَرَّدِ الْغَيْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْبَدَنِ تَعَلُّقَ التَّدْبِيرِ، وَالتَّصَرُّفِ، وَلَوْ قَالَ غَيْرُ الْمُتَعَلِّقِ بِالْجِسْمِ لَكَانَ أَنْسَبَ لِيُخْرِجَ النُّفُوسَ الْفَلَكِيَّةَ إذْ الْبَدَنُ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى بِنْيَةِ الْحَيَوَانِ وَادَّعَى الْحُكَمَاءُ أَنَّ الْعَقْلَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَوَّلُ مَا صَدَرَ عَنْ الْوَاجِبِ سُبْحَانَهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَقْلُ» ، وَإِنَّمَا قَالَ: ادَّعُوا لِأَنَّهُمْ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِدَلَائِلَ وَاهِيَةٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ فَاسِدَةٍ مِثْلُ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إلَّا الْوَاحِدُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ وَمِنْهَا قُوَّةٌ لِلنَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ بِهَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إدْرَاكِ الْحَقَائِقِ، وَهَذَا مَعْنَى الْأَثَرِ الْفَائِضِ عَلَيْهَا مِنْ الْعَقْلِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَمِنْهَا مَرَاتِبُ قُوَى النَّفْسِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهَا، وَمِنْهَا الْغَرِيزَةُ الَّتِي يَلْزَمُهَا الْعِلْمُ بِالضَّرُورِيَّاتِ أَوْ نَفْسُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنَى الْعِلْمِ بِوُجُوبِ الْوَاجِبَاتِ وَاسْتِحَالَةِ الْمُسْتَحِيلَاتِ، وَجَوَازِ الْجَائِزَاتِ، وَمِنْهَا مَلَكَةٌ حَاصِلَةٌ بِالتَّجَارِبِ يُسْتَنْبَطُ بِهَا الْمَصَالِحُ وَالْأَغْرَاضُ، وَهَذَا مَعْنَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الْوُقُوفُ عَلَى الْعَوَاقِبِ، وَمِنْهَا قُوَّةٌ مُمَيِّزَةٌ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ، وَالْقَبِيحَةِ، وَمِنْهَا هَيْئَةٌ مَحْمُودَةٌ لِلْإِنْسَانِ فِي حَرَكَاتِهِ، وَسَكَنَاتِهِ، وَكَلَامِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الْمُتَفَاوِتَةِ، وَالْمُقَارِبَةِ فَاحْتُجَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ إلَى تَفْسِيرِ الْعَقْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>